الدراما الكورية.. الحب فوق كل شيء!

قد تكون هذه المقالة ليست لها أهمية أو وقع عند معظم القراء.. فقليل هم الأشخاص الذين قابلتهم في حياتي من مختلف الدول لديهم نفس الشغف الذي أحمله للدراما الكورية.. فمعظم الشباب العرب من محبي الأعين الكبيرة والقامة الطويلة والجسد المنحني والملفوف والذي يفتقر له الشعب الكوري ويتغنى به الأتراك والهنود والعرب.. ومعظم الشابات العرب في عشق ووله للشاب الأسمر، العريض الأكتاف، الممتلئ بالشعر الذي يزينه الشارب والذي يقترن لسبب ما بالرجولة في بلداننا العربية.. وكأن التصرفات والشخصية ومكنونات الفكر أصبحت مثل ممثل إيحائي صامت، فهذه السمات غائبة عن لائحة الرجل المثالي في أحلام اليقظة لتلك الشابات.

إلا أنني من محبي الشكل الكوري والعينين المسحوبتين والمليئة بالنظرات العميقة والغامضة.. كما أحب صفاء البشرة التي يتمتع بها الكوريين وأعشق اهتمامهم بنظافتهم الشخصية ونعومة بشرتهم وملابسهم على اختلاف أجناسهم ذكوراً وإناثاً.. أليس من العدل أن يهتم الشاب بشكله أيضاً من باب التغيير وأن يتم إزاحة ثقل المجتمع الشرقي عن المرأة العربية والذي يفرض عليها أن تكون الفتاة البراقة المثالية التي تلمع تحت ضوء الشمس وانعكاس القمر.. تلك المرأة العربية التي تحافظ على لياقتها وشكلها وأناقتها حتى تصير هي صورة للعروس المثالية في نظر الشباب وأمهاتهم اللاتي تكاد أن تسقط مقل أعينهم أثناء تحديق عميق وتصفح ثلاثي الأبعاد من أجل انتقاء عروس لأبنائهم المثاليين الذين لا تشوبهم شائبة! طبعاً وللأمانة، سرعان ما تفقد المرأة العربية معظم جاذبيتها بعد أول سنة زواج وكأن الزواج هو خاتمة العناية بالمظهر.. وكأنما الاهتمام واللمعان في مجتمعنا مربوط بالعثور على عريس الغفلة! على أي حال وبعيداً عن مجتمعنا الشرقي، ما هو سحر الدراما الكورية؟

إن لم تكن من محبي المشاهد الرومانسية، فحتماً سيلفت نظرك الأزياء المتنوعة التي يتميز بها الكوريين.. فلديهم حس عالي بالموضة وتنوع لا يوصف بالأزياء

أحببت أن أكتب هذا المقال لعشاق الدراما الكورية ولأوضح العامل الجاذب فيها ولماذا يتوجه البعض لهذه الدراما بدلاً من الدراما المصرية أو الهندية أو حتى التركية الشائعة. لقد قمت شخصياً بمشاهدة ما يزيد عن 35 دراما كورية.. خلال مشاهدتي للدراما على اختلاف أنواعها من الرومانسي إلى الكوميدي إلى الأكشن.. لاحظت مبدأ مشترك بين جميع هذه المسلسلات دون استثناء.. ألا وهو مبدأ “الحب فوق كل شيء”. فعشق المحبوبة فوق حب العائلة وحب الأصدقاء وحب السلطة وحب المال وفوق حب النفس حتى! لا حب أخر يهم بعد حب المعشوقة.

ففي تلك المسلسلات، ترى البطل مهووس لحد الجنون ومتيم إلى درجة غير معقولة وكأن الفتاة المحبوبة هي الداء لمرض لا يمكن الشفاء منه وكأنها أصبحت هي السعادة وهي كل شيء. فالبطل على استعداد أن يتخلى عن كل من يحيط حوله وعن مبادئه وعن مصدر رزقه والتضحية بحياته في سبيل تلك الفتاه. أعتقد أن هذا المفهوم ورغم أخطائه التي لا تحصى هو حلم كل أنثى.. أن تكون هي الأولى والأخيرة والأهم في حياة محبوبها. الأمر الذي يجعل الدراما الكورية في منتهى الرومانسية. فقطعاً لا يوجد اتزان في العلاقات الإنسانية في الدراما الكورية. لا يوجد مفهوم الدبلوماسية في العلاقات، فقط حكم الطبيعة واتباع الحدس الذي يكون دوماً سعياً لكسب المحبوبة.

ولإضافة طابع من الرومانسية العميقة.. لا يوجد اهتمام لشكل المحبوبة على حساب الشخصية.. ففي الدراما، تكون البطلة دائماً في غاية الجمال، إلا أنهم يجعلونك كمشاهد تشعر بأن جمالها عادي.. فعلى الرغم من جمالها العادي المتواضع يُغرم البطل في الفتاه ويصبح مهووس بها. لا يقتصر الأمر على ذلك فقط، بالإضافة لذلك يكون هنالك دائماً مثلث حب.. فتلك الفتاه العادية استطاعت ولسبب غامض لا يعمله إلا الله أن تجذب الجميع بخفة ظلها وبظرافتها وأن تكون هي دون غيرها محظ اهتمام شاب أخر مستعد لبدل عمره لذلك الحب رغم وجود المنافسة ورغم معرفته أنه لن يحظى بالفتاة أبداً. 

هذا المبدأ بحد ذاته مرفوض في مجتمعاتنا المحافظة.. فمن باب المنطق بمجرد أن يكون هنالك شاب في حياة الفتاه ينسحب الشاب العربي حتى لو علم أن الفتاة لا تبادل الشاب الأخر الإعجاب. أليس اختلاف الثقافات أمر في غاية الغرابة. هذا لا يعني أن الشاب العربي متجمد المشاعر بل على العكس، شبابنا العربي قمة في المشاعر والرومانسية إلا أنهم محاصرين دوماً بثقافة العيب ومبدأ الحرام التي تجعل من الحب أمراً شبه مستحيلاً! وإن قام الشاب العربي بالاهتمام بمظهره وببشرته فسوف يتلقى العديد من الانتقادات السخيفة التي تشكك من رجولته.

وبعيداً عن مشاعر الحب والرومانسية، إن أكثر ما يجذبني شخصياً بالمسلسلات الكورية، الطعام الكوري. صوت معكرونة الجاجانميونغ التي تحركه عيدان الطعام.. صوت احتكاك عيدان الطعام المصنوعة من الحديد.. صوت شفط المعكرونة الساخنة المترافقة مع صوت زخات المطر.. صوت قرقشة الكيمتشي (مخلل كوري) الذي يرافق الأطباق الرئيسية.. وكثرة ألوان المائدة والأطباق الرئيسية والثانوية.. يجعلك في شوق لتجربة تلك الأطباق حتى لو لم تكن من محبي الأكل الأسيوي.. لتجد نفسك بعد عدة حلقات مرتكز على الأريكة وفي حضنك صحن لمعكرونة سريعة التحضير حتى تسليك أثناء المشاهدة وتوقف سيلان لعابك.

وإن لم تكن من محبي المشاهد الرومانسية، فحتماً سيلفت نظرك الأزياء المتنوعة التي يتميز بها الكوريين.. فلديهم حس عالي بالموضة وتنوع لا يوصف بالأزياء. من أطقم رسمية فخمة للباس اليومي العملي. تنوع أخاذ بالتنسيقات والإكسسوارات. قد تنسى نفسك وتعتقد أنك تشاهد فيلم للرسوم المتحركة والأنيمي. تراهم بألوان زاهية ودمج لألوان لا تخطر على البال ولا على الخاطر. عدى عن تناقضات لمفاهيم الألوان التي عهدتها. الأزياء الكورية سوف تعيد تعريف مفهومك الخاص بالألوان والأقمشة.

بالنهاية، أود أن أنوه بأنني لست من مناصري الأفكار المطروحة في الدراما الكورية حيث تميل في مرات عديدة إلى الانجراف والتطرف في الحب والابتعاد عن الواقع الذي نعيشه. ففي النهاية، أعتقد أن لكل نوع حب أهمية وعلينا الموازنة بين كل عنصر مهم في حياتنا وإعطاء وزن منطقي لكل عنصر. ولكنني لا أستطيع أن أنكر أن في مشاهدة الدراما الكورية متعة مختلفة من نوعها لا يفهمها إلا من شاهد حلقاتها وتوغل في أعماقها.. من باب التغيير ومن باب التعرض لثقافات أخرى.. أدر جهاز التلفاز وقم بمشاهدة دراما كورية لتنقلك إلى عالم أخر وثقافة مختلفة…فربما تصبح أيضاً من مدمني الدراما الكورية!