تحت الحصار.. حكم بالموت لنساء غزة المصابات بسرطان الثدي!

في شهر تشرين الأول الوردي، الذي يستهدف المرأة تحديداً من أجل نشر الوعي عن أهمية الكشف المبكر عن سرطان الثدي وعلاجه في المراحل الأولى لزيادة نسب الشفاء.. شعرت بأهمية صارخة من أجل إلقاء الضوء على النسوة اللاتي يتم تجاهلهن بالذكر دوناً عن باقي فئات المجتمع.. هن أمهات لأبطال ما زالوا يخوضون العديد من المعارك اليومية ضد المحتل.. هن أمهات الشهداء والأسرى.. هن أمهات لأطفال الحجارة.. هن من يزرعن مبادئ المقاومة والشموخ والعز جيل بعد جيل.. يخضن نضال الحياة اليومي ونضال ضد الاحتلال من فقدان عزيز أو دمار بيت.. هن نساء غزة المصابات بسرطان الثدي! يسيطر عليهن الخوف مثل بقية النساء، من طبيعة المرض وصدمة التشخيص وكيفية التعايش والعلاج من هذا المرض الذي لا يزال المجتمع يهاب ذكره والتلفظ به ويعتبره من الأمراض القاتلة والذي لا أمل في علاجه.

بحسب تقارير وزارة الصحة في غزة، فإن سرطان الثدي يعد الأكثر شيوعا بين أنواع السرطان ويشكل 24.7 بالمئة من حالات الإصابة بين النساء، بما يعادل 24 من 100 ألف سيدة من نساء غزة. يعتبر سرطان الثدي من الأنواع التي يمكن علاجها بنسب شفاء عالية ولكن نظراً لعدم وجود مراكز للعلاج الاشعاعي ونفاذ العلاج الكيميائي باستمرار في قطاع غزة، تجد المرأة الغزاوية نفسها في انتظار مستمر لموافقة اسرائيلية لمغادرة غزة من أجل تلقي العلاج.

فليس عليها فقط القلق من تبعات إصابتها بالمرض وأثره النفسي الموجع على عائلتها، بل عليها أيضاً حمل هموم الإجراءات الطويلة، والمعقدة والتي يكون خلاصها تصريح أمني بيد اسرائيل المحتلة التي تسيطر على معظم معابر قطاع غزة. فوق العذاب التي تعانيه من صدمة الواقع الأليم بأن السرطان اختارها هي من بين الالاف.. فوق قلقها على أولادها وعائلتها من مستقبل يخلو من وجودها ورعايتها.. فوق وضعها الاقتصادي المتردي.. فوق هذا كله.. عليها الآن أن تفكر ملياً بكيفية تلقي العلاج بعيداً عن عائلتها وسبل تغطية تكاليف العلاج الذي يعتبر باهضاً حتى على الفئات العالية الدخل.

كونك مريضة سرطان في قطاع غزة يجعل نسبة شفائك تقل إلى 50 بالمئة عن مريضة سرطان تقطن في بريطانيا مثلاً. فمعظم مرضى السرطان القاطنين في غزة يتم تشخيصهم بوقت متأخر مما يقلل نسب الشفاء

سرطان الثدي هو مبعث للقلق والخوف لدى كل امرأة في العالم ولكنه بالنسبة لنساء غزة، حكم بالإعدام لقلة نسبة الشفاء ضمن الظروف القاهرة. فنقص العلاج الكيميائي والعلاج الاشعاعي يليه رفض بإصدار تصريح الخروج من غزة يعني الحكم بالموت لمريض السرطان. ومن الجدير بالذكر أن هذه الإجراءات الطويلة ورفض تصريح الخروج من قطاع غزة لمرضى السرطان، يؤدي إلى تقطع العلاج المتلقى وبخاصة للعلاج الاشعاعي.

وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، شهد عام 2017 أقل نسبة موافقات لتصريح الخروج من قطاع غزة، حيث قامت اسرائيل المحتلة بمنح التصريح فقط ل 54 بالمئة من المرضى للعلاج خارج غزة. الأمر الذي أدى لوفاة 54 شخص في ذلك العام نتيجة لتغيبهم المستمر عن مواعيد العلاج. كونكي مريضة سرطان في قطاع غزة يجعل نسبة شفائك تقل إلى 50 بالمئة عن مريضة سرطان تقطن في بريطانيا مثلاً. معظم مرضى السرطان القاطنين في غزة يتم تشخيصهم بوقت متأخر مما يقلل نسب الشفاء وذلك بسبب نقص التوعية والأجهزة. بالإضافة إلى ذلك، هنالك نقص بنسبة 50 بالمئة من الأدوية الأساسية المتوفرة لمرض السرطان. وللأسف، اثنتين من أصل خمسة نساء في غزة يستطعن البقاء على قيد الحياة لمدة خمس سنوات بعد التشخيص.

تعاني غزة من أزمة إنسانية في ظل الاحتلال الإسرائيلي. خلفت الانتهاكات والحروب المتوالية التي تعرض لها قطاع غزة إلى تصدع في البنية التحتية، حيث تواجه الخدمات الصحية المقدمة للسيدات المصابات بمرض سرطان الثدي للعديد من التحديات، منها عدم توفر مرافق صحية ملائمة للمرضى علماً بأن المناعة تقل إلى الصفر أثناء الخضوع للعلاج الكيميائي، وعدم توفر العلاج الإشعاعي، وتقص في عدد الأسرة والأطباء والممرضين المتخصصين، وضعف في التشخيص حيث يوجد نقص في عدد أجهزة الماموغرام الخاصة بالكشف عن سرطان الثدي. عدى عن ذلك، هناك حالات تأخير في التشخيص بسبب تعطل الأجهزة المستخدمة للتشخيص وتأخر إصلاحها بسبب الحصار. على الرغم من كل هذه المعوقات ،لا تزل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، تقوم برفض نصف التصاريح للخروج من القطاع ضاربة بعرض الحائط حقوق الإنسان.

وبمناسبة هذا الشهر دعونا لا ننسى سيدات غزة اللاتي يصارعن هذا المرض.. بعيون هزيلة وبجسد نحيل تعاني سيدات غزة ما تعانيه من ألام بصمت.. ألم حارق من العلاج الكيميائي وضعف الجسد والروح وألم العجز عن إدارة بيتها التي تشكل هي نواته.. في لحظات ضعفها واستسلامها تجاه المرض.. تعصف ومضات ذهنية وصور تكاد تكون حقيقية لدموع أبنائها على قبرها.. لحضن دافئ تضم فيه أولادها ولدموع زوجها الذي يقف عاجزاً أمام هذا المرض الخبيث.. هذه الومضات مثل الكابوس تلاحقها ولكنها بنفس الوقت تعطيها دفعة للحياة فهناك من يصلي لأجلها ومن يدعو الله تضرعاً لبقائها.. فيعود إليها الأمل من جديد. فرغم قهر الحصار وظلم الحياة.. تراها صامدة كما عودتنا دائماً.. تلك المرأة الغزاوية واقفة بثبات أمام الحروب وأمام مرض السرطان.. تراها شامخة كالجبل.. كلها إرادة وإيمان بالله المولى القهار على كل شيء وبأنها وبعزيمتها قادرة على الانتصار على مرض السرطان.