حتمية الموت..بوجود إشارات إلهية، هل نحن حقاً مؤمنون؟

في الوقت الذي انشغل فيه العالم في الحظ الوفير لمواليد 22/2/2022، لم يلتفت أحد إلى من توفاهم الله في نفس التاريخ. نحن نحاول التركيز على الأمور الإيجابية دوماً في الحياة ونتناسى حتمية الموت.

رائحة الموت

للموت رائحة نشتمها في العديد من اللحظات. عندما نرى أشخاصًا أقل حظًا أو عندما نسمع عن أطفال ماتو بجرائم شنيعة من قبل أقارب أو عن أشخاص توفاهم الله في حادث سيارة أو طائرة أو عن أشخاص صغار فقدو حياتهم على حين غرة. هذه الطريقة المفاجأة في الموت تجعلنا في حيرة شديدة من أمرنا و وتربكنا. نشعر بأنا في كل خبر نسمعه بأن الشخص الذي غادر الدنيا، كان يمكن أن يكون نحن وكان من الممكن أن نكون في محله ولكننا كما وصفنا الله في كتابه الكريم غافلون عنه.

وهذا الأمر صحيح بالنسبة لأمر حتمية الموت، حيث نشعر بأنه بعيد جداً عنا رغم معرفتنا أننا نحن اللاحقون. حتى الأطباء والجنود في الحروب والموظفين الذين يعملون في منظمات انسانية، ويشهدون الموت أمام أعينهم يشعرون بأنهم بعيدون عنه. ربما خلقنا الله هكذا حتى نستطيع التركيز في حياتنا.

قال الله تعالى:” إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون”سورة : يونس الاية : (7)
معنى الآية: ( إن الذين لا يرجون لقاءنا ) أي : لا يخافون عقابنا ولا يرجون ثوابنا.
والرجاء يكون بمعنى الخوف والطمع ، ( ورضوا بالحياة الدنيا ) فاختاروها وعملوا لها ، ( واطمأنوا بها ) سكنوا إليها.
( والذين هم عن آياتنا غافلون ) أي : عن أدلتنا غافلون لا يعتبرون.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : عن آياتنا عن محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن غافلون معرضون.[1]

كيف نستشعر حتمية الموت

  • عن طريق زيارة القبور: ففي كل مرة نزور قبرًا نستذكر أن الأشخاص تحت التراب أناسًا عاصرناهم وكانوا يعيشون بيننا والآن يفصل بيننا وبينهم مسافات شاسعة
  • بمشاهدة فيديوهات تم إعادة إنتاجها للفترة الزمنية ما قبل ١٩٥٠: هناك سلسة فيديوهات تم تجميعها وتلوينها وإضافة صوت لها لأشخاص حقيقيون كانوا يعيشو قبل ١٠٠ عام ومشغولين في حياتهم ، وهم كلهم اليوم تحت التراب.
  • بتخيل لحظات زمنية يصعب تواجدك فيها في المستقبل: مثلاً وجودك في أعراس أحفادك أو رؤية أولادك يصبحون أجدادًا
  • هل جربتم أن تُقّلبوا الرزنامة و تقدموها لسنوات وسنوات للأمام، حتى تصلوا لتاريخ تكونون على جزم تام بأنكم لن تعاصروه؟ إن فعلتم ذلك، ستشعرون بصدمة خفيفة سببها نقص في اليقين بحتمية الموت. 
فيديوهات حقيقة لباريس في عام 1890

الحياة محطة ونحن غرباء فيها

ننغمس في الدنيا ونعمل باجتهاد وهو أمر لا بأس به. ولكن أعتقد أن المعظم على الرغم من إيمانهم، ليس لديهم الإيمان الكافي بأن لها نهاية. سرعان ما نسمع خبر موت أحدهم نتفاجئ بشدة ونقول “يا حرام” ولا شيء غريب بذلك. ولكن طريقة قولنا لها وكأن الموت لن يدركنا. فحتى رسول الله قال الله تعالى له أنت ميت وهم ميتون. ونحن بالطبع لسنا أفضل حالاً من نبي الله.

عندما تحمل أولادك الصغار ألا تشعر بأن العمر يمضي بسرعة شديدة. هل تستطيع تخيلهم كباراً وكأنه الحاضر لا المستقبل؟ هل تستحضر لقطات من طفولتك وتتخيل والديك وهم يعتنون بك؟

نعم الآن نفهم أقوالاً كنا نسمعها مراراً دون تفكير عميق بها “هل سنأخذ وقتنا ووقت غيرنا” فكل جيل له وقته وله زمنه وله تاريخ صلاحيته.

القول في تأويل قوله تعالى : ( إنك ميت وإنهم ميتون (30 )
يقول – تعالى ذكره – لنبيه محمد  – صلى الله عليه وسلم – : إنك يا محمد  ميت ، وإن هؤلاء المكذبين من قومك والمؤمنين منهم ميتون. أي أن الموت مدرك الجميع دون استثناء.[2]

إشارات يرسلها الله لنا في حياتنا

تأتينا أحياناً أفكار واضحة بشكل مذهل عن الحياة، لكننا نختار بأن نصرف التفكير بها. فمثلاً في الكثير من الأحيان، عند تفويت صلاة نكون على إدراك تام بأنها فاتت ولا نشعر بشيء. ولكن في مرات أخرى، يخطر في بالنا نعم الله مثل صحة أولادنا وينتابنا تأنيب ضمير شديد ونشعر بأننا ارتكبنا إثماً عظيم.

في الغالب، نصلي بسرعة دون خشوع. ولكن في لحظة أخرى، يشعرنا الله أن صلاتنا سترد لنا لأنها لم تكن بالجودة المطلوبة فنعيد الصلاة. نعم سقط الفرض ولكن ماذا عن الأجر المرتبط بها.

في أعمالنا نحاول أن نكون أقرب للمثالية ونقدم إلى مدرائنا أفضل ما لدينا أملاً في نيل الرضا وتقييم جيد آخر السنة لنحظى بزيادة في الراتب أو برتبة أعلى. فلم لا نطبق هذا المبدأ في الباقيات الصالحات لحياتنا بعد الموت.

هل أمورنا تسير بشكل جيد وأفضل من توقعاتنا أو بشكل سيء وفشل تلو الآخر؟ في مناجاتنا لله في الصغر، ندعوه أموراً كثيرة، نلمسها واقعاً ولكن بعد عمر طويل دون أن نشعر. ولكن في لحظة ما، يأتينا صفاء ذهني ونرى أن كل ما تمنيناه في الماضي أصبح حقيقة.

ظروف حياتنا وكل هذه الأفكار التي تخالجنا في لحظة ما، ما هي إلا إشارات من الله. كأنها رؤى صغيرة يريد بها الله أن يردّنا إلى ما كلفنا به في هذه الدنيا.

مسلمة تصلي في المسجد

في الصلاة إشارة دائمة 

عند الصلاة تأتينا كل أفكار الكوكب ولربما هذا ما فطرنا الله عليه. ربما لذلك كلمة “الله أكبر” تأتي بين ركعة وأخرى لتذكرنا بأن ما نفكر به ليس بالشيء الجلل فالله اكبر منه. لهذا الصلاة من أعمدة الدين فهي تنعش فكرنا بالأمور الأساسية في حياتنا وآخرتنا.

اليقين والإيمان 

نحن نعلم بأننا لسنا خالدون وبأن الجسد فانٍ ولكن هل حقاً نوقن بأن أرواحنا ستظل على قيد الحياة. فعلى الرغم مع إيماننا القطعي بهذا الأمر، إلا أننا نشعر بأن الموت هو النهاية. ربما لأن الموت هو عنصر مجهول ونحن لا نعرف كيف سيكون العالم الذي سنكون فيه بعده، فنشعر بالضياع وبالخوف.

ولكن بالنسبة للشهداء أو من يكون لديه قضية ما يحارب من أجلها، يرى العالم الذي سينتقل إليه وكأنه حاضره. وتلك قوة عجيبة لا يمتلكها الجميع فاليقين شيء والإيمان شيء آخر.

عندما ننام نحلم ونشعر بأننا في عالم آخر، وإذا مشينا في أحلامنا أو قمنا بالركض نشعر بالأمر بشكل فعلي، ونحن راقدين. ولهذا تسمى الموتة الصغرى وهكذا نكون عند الموت والله أعلم ولكن بدون تفاصيل أكثر. ربما البرزخ هي مرحلة تحضيرية حتى نتعود على المناظر التي سوف نراها عند الحساب لأن تلك المناظر قد تفوق قدرتنا على التحمل.

علماء أعصاب يكتشفون تزايد موجات الدماغ المعروفة باسم تذبذبات “غاما” قبيل لحظة الموت، وهي نفس الموجات التي تنشط أثناء الحلم واسترجاع الذاكرة والتأمل، ولك بعد إجراء مخطط كهربية الدماغ لرجل يحتضر في أول تجربة من نوعها.[3]

كيف نمضي في الحياة

ليس هناك ضير في أن نعمل في الدنيا و كأننا نعمر فيها ألف سنة، فنحن مكلفون بإعمار الأرض ولكن ما ينقصنا هو أن نعمل لآخرتنا. الصلاة بخشوع ، قراءة القرآن، الدعاء والإكثار منه ، والصدقات كل هذه الأعمال ستحيي أرواحنا بعد الموت.

بين الحين والآخر تأتي إشارات ودلالات مصممة خصيصاً بك وأنت أدرى بها. قد تكون صفاء تفكير لشيء ما أو حلم غامض ولكن أنت الوحيد التي تعرف تفسيره. أو خير كثير أو شح كبير ولكن بدل تجاهل تلك الاشارات، خذ بها وحسّن أعمالك في الدنيا لأن هذا ما سيشحن نفسك من أجل مستقبل أفضل وموت أسلم. عسى الله أن ينعمنا بحياة جميلة ويحسن خاتمتنا.

المراجع
1] موقع القرآن الكريم
https://surahquran.com/quran-search/search/غافلون
2] موقع إسلام ويب
https://islamweb.net/ar/library/index.php?page=bookcontents&ID=4284&bk_no=50&idfrom=4244&idto=4244
3] Frontiers in Aging Neuroscience, Enhanced Interplay of Neuronal Coherence and Coupling in the Dying Human Brain,2022
https://www.frontiersin.org/articles/10.3389/fnagi.2022.813531/full?utm_source=fweb&utm_medium=nblog&utm_campaign=ba-sci-fnagi-what-happens-in-the-brain-when-we-die