كثيرة هي المشاكل المحيطة بنا، فأينما تَوجهنا في مكان العمل أو المنزل أو حتى في العلاقات الشخصية نجدها تحدق بنا كالفريسة فإما تتمكن منا وتنهش عظامنا أو نتخطاها لنعيش يوم آخر في هذه الأدغال التي نسميها الحياة. وللأسف معظم هذه المشاكل ما هي إلا جدالات عقيمة ونقاشات عدمية نتاجها مشاحنات لا نهاية لها.
فلماذا نَعلق باستمرار بدوامة المشاكل ونشعر بأنها لا تصيب أحد سوانا؟!
الجواب لهذا السؤال يكمن في فهمنا لأنفسنا والعناصر المحيطة حولنا سواءاً كانت المواقف التي نتعرض لها أم الأشخاص الذين نواجههم في تلك المواقف، هنالك دائماً حل خفي لا يجده إلا من كان لديه الصفات المناسبة والعقلية اللينة التي تمكنه لذلك. فكيف نستطيع تقليل المشاكل؟
أولاً علينا التفريق بين نوعين من المشاكل…
فهنالك مشاكل ناتجة عن أمور خارجة تماماً عن السيطرة من أمراض أو حوادث أو ما يمر به العالم الآن في خضم جائحة كورونا. والنوع الثاني هي المشاكل التي يمكن التحكم بها أو تجنبها.
فإن كنت من أصحاب مشاكل النوع الأول فالله المستعان وصبراً جميل. أما إذا كنت من أصحاب مشاكل النوع الثاني، فاعلم بأن نصف هذه المشاكل إن لم يكن معظمها هي مشاكل يمكن تجنبها أو حلها ببساطة أكثر مما كنت تتصور.
ومن الصفات المناسبة التي أشرت إليها سابقاً هي برود الأعصاب.
برود الأعصاب هي مَلكة حقيقية ولا تقتصر فقط على أشخاص معينين دون آخرين. يمكننا أن نتدرب للتحلي بهذه الصفة التي سوف تُحسن حياتنا الشخصية والمهنية. فمن الأشياء التي ستساعدك في إتقان هذا الفن ألا تكثر من الابتسام وأن تتصف بالغموض، لا تجعل من نفسك كتاباً مفتوح يقرأه أي كان واجعل وجهك خالياً من التعبيرات التي تفضح ما يخالجك من مشاعر.
مشاعرك ملكٌ لك وتظهرها لمن يقدرها فعلاً. قم بتهذيب لغة جسدك وتحكم بها، فحتى لو أثقلتك الدنيا هموماً لا تجعلها تحني ظهرك وقف باستقامة تعلن فيها عن هدوئك حتى في الأوقات التي تشعر بأن عاصفة هوجاء تجتاز بدنك. واحرص على التحدث بنغمة صوت متزنة دون ارتفاع أو هبوط وقم بالإنصات دائماً قبل أن تتحدث. هذه الصفة تجعلك مهني أكثر في مكان العمل وتجعل حياتك مع الأقارب سهلة.
والجدير بالذكر بأن الذكاء الإجتماعي لا يُدرس في الكتب بل يُكتسب مع الخبرة التي تتطلب مواقف قاسية جداً يعيشها صاحبها ودروس مستفادة.
العفوية والتصرف على السجية ما هي إلا صفات يمتدحها الناس لكن للأسف لا تكون سنداً لصاحبها على أرض الواقع، بل بالعكس توقعه دوماً في مواقف محرجة يبدو فيها مثل أحمق جاهز لتلقي السهام من كل صوب. فلا تجعل نفسك الهدف السهل في أرض المعركة ولا تكن لقمة سائغة تمضغ من فم لآخر.
إن استفزك كلام ما أو أزعجك موقف ما فكر في مصدره وقيمته لديك وفيما كان يستحق غضبك علماً أن مصادر إزعاجاتنا اليومية في مكان العمل أم مع المقربين هم أشخاص عابرين في حياتنا لايزنون شيئاً. وحتى لو كان المصدر شخصاً يهمك فكر وقم بالعد للعشرة قبل إصدارأي ردة فعل قد تزيد الأمور سوءاً.
وما ذكرته من أصعب الأشياء التي قد نقوم بها ولولا ذلك لما ذكرها الله تعالى في سورة آل عمران: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ، وكظم الغيط هو رده في الأعماق والسكوت عليه مع عدم إظهاره بقول أو بفعل.
كظم الغيط فيه منافع جمة أهمها هو تحقيق سعة الصدر والعلو بالنفس بدلاً عن النزول لدناءة المخطئ. فتجاهُل الجهلة هو خير بألف مرة من مُشاكلتهم. عدا عن الأجر المترتب على هذا الفعل الذي سوف يصلح حالك في الدنيا وفي الآخرة.
فنحن لسنا بملائكة ونوضع بمواقف تُخرج ما فينا من شر ورغم سيطرتنا في معظم الأوقات على مشاعرنا ومكنونات فكرنا، قد نجد أنفسنا في صراعات لا مهرب منها.
لذلك، اختاروا معارككم بعناية ولا تخوضوا في كل مشكلة أو نغصة تواجهكم.. وخوضوا فقط في النقاشات المصيرية التي لها التأثير الفعلي على حياتكم. فتجاهل المشاكل ليس هزيمة لكم بل على العكس هو نصر عجز الجهلة عن استيعابه. فإن خضتم في عراك، احرصوا على الأقل أن يستحق الجهد المبذول في سبيله… فلنرتقي ونترفع عن المشاكل لنهنئ بحياة ملؤها السعادة وراحة البال والخاطر.