استقبل الأردنيون في ليلة يوم الخميس الموافق 25/10/2018 فاجعة من الوزن الثقيل.. نبأ غرق واحد وعشرين طفلاً وإصابة ثلاث وأربعين، أغلبهم من الأطفال خلال رحلة مدرسية، إثر سيول جارفة سببتها أمطار غزيرة في منطقة البحر الميت.. جفت الدموع في المقل من وقع الصدمة وويل المصيبة، فدخل الحزن بيوت الأردنيون الذين اعتصرت قلوبهم ألماً من هول المأساة. فاجعة ألقت بويلاتها على واحد وعشرين عائلة لم تتوقع ولا حتى في أكثر كوابيسها رعباً أن يكون هذا مصير أولادها.. وأن قبلة الصباح قبيل رحلة ترفيهية هدفها تعليمي واستكشافي لجمال الأردن هي القبلة الأخيرة.. وأن حقيبة الرحلة ستكون هي أخر حقيبة تحملها تلك الأيادي الصغيرة.
ودع أهالي الأطفال فلذات أكبادهم وهم في قلق وحيرة من موعد رحلة الموت والتي جاءت في اليوم الأول من الشتاء. وفي ذهول تام، استقبل الأهالي خبر غرق أبنائهم، فهم لم يكونوا على علم بأن سيول جارفة ستقسو على ملائكة بعمر الزهور وترتقي بأرواحهم الطاهرة إلى بارئها. ما هي التفاصيل وراء هذه الفاجعة؟ ولمن ستتوجه أصابع الاتهام بعد استيعاب الكارثة؟ وفق تصريحات إحدى أمهات الضحايا، تجاهلت المدرسة كلياً طلبها بإلغاء الرحلة، حيث أنها قامت بإبداء قلقها حيال الرحلة وذلك لإحساسها بأن توقيت الرحلة خاطئ نظراً لحالة الطقس المتقلبة. إلا أن المدرسة طمئنت الأم وتعهدت بسلامة الطلبة، الأمر الذي جعل الأم توافق بتردد على إرسال ابنتها إلى الرحلة بعد إلحاح شديد من ابنتها التي أصرت على الذهاب.
لم تلتفت المدرسة لقلق أولياء الأمور ومضت في قرار الرحلة المدرسية. والجدير بالذكر، أن حافلة الرحلة قامت بتغيير مسارها المتفق عليه والموافق من قبل وزارة التربية والتعليم إلى وادي زرقاء ماعين الواقع في البحر الميت بدلاً من الأزرق. توجهت الحافلة إلى منطقة أكثر خطراً وغير ملائمة لأطفال في المرحلة الابتدائية. الأمر الذي يستدعي تحقيق شامل حول معايير السلامة والرقابة المتبع من قبل وزارة التربية والتعليم، في منح الموافقات على الرحل المدرسية وآلية متابعة مسار تلك الرحلات. واللافت بالأمر، على الرغم من وجود شركة سياحية مرافقة للإرشاد، هو الاستمرار بقرار الرحلة دون الأخذ بالتحذيرات التي أطلقتها السلطات في وقت باكر من يوم الخميس وذلك إثر توقعات الطقس التي أكدت احتمالية حدوث عاصفة مطرية تتخللها سيول في الطرق الخارجية. فأين هي مواطن التقصير؟ هل نكتفي بإلقاء اللوم كما جرت العادة على القضاء والقدر!
نحن مؤمنون بقضاء الله وقدره فلا اعتراض على حكم الله، ولكن لماذا يصاحب كل بداية شتاء في بلدي كارثة مفجعة؟ لم تكن السيول الجارفة أمر غير متوقع حيث أن الأمطار الغزيرة السنوية تُولد سيول وخصوصاً في الأودية والمناطق المنخفضة. البحر الميت هو أكثر المواقع انخفاضاً ومن البديهي أن الأمطار الغزيرة سوف تشكل سيول قادمة من الجبال والأودية المحيطة.. فما الجديد؟ ولماذا تم تجاهل التحذيرات التي أطلقتها السلطات المختصة؟ لماذا لم يتم الأخذ بالنشرة الجوية التي تتسم بالدقة الشديدة والتي حذرت من تشكل السيول؟
أصرت المدرسة على قرار المضي في الرحلة من أجل سبب مادي ورسوم الرحلة، متناسين بذلك الخطر الواقع على الطلبة والمعلمين المرافقين، علماً بأن رحلة الموت هذه سببت وفاة معلمة يانعة في العمر تاركة زوجها وطفل رضيع يتيم.. فهل كان المبلغ التي جنته المدرسة من هذه الرحلة يستحق المخاطرة بأرواح بريئة؟ برأيي تتحمل المدرسة المنظمة مسؤولية حادث الحافلة المدرسية كونها قامت بارتكاب مخالفات عديدة، منها تغيير مسار الرحلة الموافق عليه من قبل، ووزارة التربية والتعليم واشراك طلبة من صفوف الرابع والخامس، في حين أن الموافقة كانت محصورة فقط على طلبة صفوف السابع والثامن والتاسع. إضافة إلى تجاهل المدرسة لقلق الأهل الذين أعربوا عن خوفهم من الرحلة.
كما أن المدرسة لم تقم بمتابعة سير الرحلة خلال يوم الرحلة ولم تلتفت إلى التحذيرات التي أطلقتها السلطات المختصة عن السيول والأمطار الغزيرة في نفس اليوم، الأمر الذي أدى إلا تعريض حياة الأطفال للخطر والموت على حساب الربح المادي التافه من وراء الرحلة. ويقع لوم هائل وأكبر على وزارة التربية والتعليم التي سمحت بعمل الرحلة المدرسية دون دراسة الموقع والطقس ودون متابعة للمدرسة والتأكد من التزامها بالأنظمة والتعليمات. فكان من الأولى أن تقوم الوزارة بإلغاء جميع الرحلات المخطط لها ليوم الخميس تحت ضوء المتغيرات في الطقس. إغلاق المدرسة فقط هو ليس الحل.. يجب معاقبة ومسائلة جميع من كانت له يد في الحادث من وزارة التربية والتعليم وصولاً إلى المدرسة.
ومن جهة أخرى، ألقى الأردنيون اللوم على وزارة الأشغال لتدني مستوى الطرق والجسور، حيث انهار جسر إثر السيول على بعد 4 كلم من الحادثة. الأمر الذي تسبب بإعاقة عمليات الانقاذ من قبل كوادر الدفاع المدني وأحالت دون وصولهم إلى منطقة البحث عن مفقودين أخرين في البحر الميت.. عدا عن الروايات الكثيرة التي يدخل فيها عنصر نظرية المؤامرة وأبعاد أكبر من مجرد أمطار وسيول.. إلا أنني لن أتطرق لهذا الباب.. فيكفينا هماً فوق همومنا.. لقد هرمنا ونحن نطالب بالإصلاحات وبالحقوق الأساسية للعيش الكريم. عاد الشتاء وعادت معه كوارثه.. كم كنت أتمنى أن يعود علينا بالخير والنفع.. يعود كل سنه ويحمل معه الماّسي.. في بلد بنيته التحتية مثيرة للشفقة وشوارع تغرق مع كل قطرة غيث.. يطالب المواطن الإغاثة.. فهل من مغيث؟