اليوم هو أول يوم من أيام الشهر الفضيل الذي ننتظره بفارغ الصبر، شهر العبادات والروحانيات، شهر شحذ الهمم لنصبح في آخره أفضل. بدأت مظاهره بالتجلي، نتابع وصفات الشوربات والسمبوسك والقطايف على التيك توك والانستغرام وبدأت القنوات بعرض إعلانات رمضان من مشروبات الفيمتو وغيرها التي تعيدنا إلى ذكريات الزمن الجميل. نلاحظ البيوت تزداد دفئاً بزينة رمضان خارج المنزل وداخله. وتفيض محلات الإنارة وبسطات الشوارع بأغراض رمضان من فوانيس وأهِلّة. كما بدأت الأسواق بالتركيز على بضائعه من تمر وقمر الدين وغيره من اللذائذ الرمضانية. نحن على مشارفه ونستعد لاستقباله بشوق وغصة هذا الوباء الذي سيحرمنا من التجمع على سفرة واحدة مع الأهل في البال، وبيوت الرحمن المغلقة وصلاة التراويح المعلقة التي نتوق إليها أيضاً شوكة في الحلق.
لكن لا أريد أن أجعل هذه الأشياء تعكر صفو رمضاني فالله معنا في منازلنا وفي كل مكان ويدعونا إليه خمس مرات في اليوم وفي رمضان نطمع في التقرب له أكثر بصلاة التراويح والدعاء.
على عكس كل مرة لن أدع مسلسلات رمضان المغرية تحتل جل وقتي فسوف أسعى للاعتدال وأقرأ القرآن فهو مشتاق ليد تحمله وتنطق بكلماته.
ولكن أكثر ما أتمناه هذا العام هو أن أجعل ابنتي ذات الخمسة أعوام تتحمس لشهر رمضان.
إليكم ما قمت بفعله لإثارة الحماس في قلبها. قمت بشراء شجرة الهلال المزينة بالأضواء وقمت بعمل ٣٠ مغلف في داخل كل منها هدايا صغيرة لحثها على محاولة الصيام لنصف نهار أو حسب استطاعتها. سوف أشجعها على الصلاة معي ففي ذلك منفعتين تقرب لله وتوطيد علاقتنا في آن واحد. سأرى إن كانت هذه الطريقة ستجعلها أكثر انخراطاً وفهماً لرمضان. سأقوم بقَص القصص الرمضانية الشيقة وزرع فضائله بطريقة مبسطة لها.
لكن بعيداً عن هذه المظاهر، أهم ما في رمضان هو الإحساس بالآخرين فالعبادات من صلاة ودعاء لا تكفي. نحن في زمن تفشت فيه أوبئة أثرها أعظم بكثير من أثر كورونا. الفقر والبطالة والجوع هم أعمق جرحاً من خنجر كورونا. الصدقات وأعمال الخير والإحساس بالنعم التي فضلنا الله بها على غيرنا وتخصيص جزء من هذه النعم للفقراء تطفئ غضب الرب وتصلح ولو قليلاً من الحال العام المتردي.
فلنعّلم أولادنا الإحساس بالغير حتى يشعروا بأهمية نعمه المأكل والمشرب والملبس. أولادنا اعتادوا على منظر الطعام الوفير الذي يرمى في آخر النهار في القمامة فكيف لهذا الطفل أن يشعر بأهمية شيء مكانه في القمامة.
في الحقيقة نحن كأهل نبث لأطفالنا رسائل متناقضة فما أصعب الفعل ليعكس القول.
في هذا الرمضان لنحاول أن نكون قدوة حسنة أمام أطفالنا. رمضان جميل بمظاهره ولكن جوهره أجمل ويحمل الكثير من المعاني السامية والقيم الكفيلة بالقيام والرقي بالأمة. لنعطي هذا الشهر احترامه الذي يستحقه ونقوم بعمل تغييرات ولو كانت بسيطة في أنفسنا قبل كل شيء.
كم من كلام جارح خرج من أفواهنا وسبب أذى عميق لغيرنا ليمحق حسناتنا من صلاة وغيره. كم من نفس ظلمنا في طريقنا للنجاح ظانين أننا أحسن عملاَ وما ظلمنا إلا أنفسنا بذلك. كم من أوف أطلقنا تذمراً من الصيام أو غضب أطلقنا بعذر الصيام.
رمضان شهر مراجعة النفس وتكفير الذنوب وطلب السماح والمغفرة ليس فقط من الله بل من عباد الله أيضاً. شهر لا يجب أن يمر مرور الكرام دون إحداث تحسين لصائمه. نجري خلف الحياة الدنيا وكأننا نعيش أبداً وننسى كم نحن محظوظون بأننا على قيد الحياة وما زال لدينا سبل لحصد الحسنات ونشر الخيرات فما أحلى أن نترك أثراً إيجابياً على محيطنا فالمال لن يجعلنا خالدين والباقيات الصالحات خير.
أهلاً رمضان يا شهر الرحمة والمغفرة عسى الله أن يعيده علينا دائماً بخير.
وكل عام وأنتم بخير…