دخل المدير إلى المكتب ومزاجه عالٍ يكاد يخرق السماء، خرجت كلمة “صباح الخير” من شفتيه وكأنها تغريدة عصفور. جلس على مكتبه وقام بتشغيل حاسوبه وهو يدندن أغنيته المفضلة ثم قام باستدعاء موظفيه ليسرد لهم ما تيسر لديه من قصص شخصية وثقافية وفنية وسياسية تستغرق ساعات.
يبدي تعاطفه تجاه ما يجري من أخبار حزينة فهو صاحب قلب كبير وحساس جداً تجاه كل شيء، أثناء السماع لحديثه المطول يشغل بالك شيء واحد، الحمد لله بأن مزاجه جيد اليوم فلنأمل أن يمر اليوم بسلام!
وتمر وهو بهذا المزاج مواقف عديدة ومشاكل كبيرة في العمل دون أن يقيم لها وزناً أكبر مما تستحق. ففي النهاية المشاكل تحدث في أي مكان والأهم من ذلك أن مزاجه جيد هذا النهار.
لكن في اليوم الذي يليه دخل نفس المدير المكتب كالعاصفة الهوجاء. خرجت كلمة “صباح الخير” منه وكأنها لا كلمة تحية بل كسيف غايته طعن كل من سمعها، جلس على مكتبه وبدأ بالتأفؤف ومناداة موظفيه الواحد تلو الآخر ليسألهم عن مهمة ذات أولوية دنيا كان قد استذكرها مع هبّة الغضب.
ثم يطلب من أحد موظفيه الرجوع في الرسائل الإلكترونية لأشهر مضت لإيجاد أدلة تبرئ ساحته حتى لا يتم اتهامه بجريمة تمحق إنجازاته للسنة، يقضي الموظف اليوم كاملاً بالرجوع للوراء بدلاً من التقدم للأمام والقيام بالمهام الأكبر والأهم.
في ذلك النهار لا تمر المشاكل الصغيرة دون إحداث مشاكل أعظم مع بقية الأقسام. فكيف ينفس ذلك المدير المسكين عن مزاجه العكر ومشاكله الشخصية، فقد سخر الله له باعتقاده أشخاص للتنفيس عن مشاعره المضطربة، وينسى أن هؤلاء الموظفين ليسوا أولاده يمكنه أن يقوم بتوبيخهم كلما تعكر مزاجه.
فكيف نتعامل مع تلك الشخصية التي تفتقر إلى المهنية؟
في الحقيقه مهما حاولتم التأقلم مع تلك الشخصية، للأسف لا يمكن التنبؤ بها وبمزاجها. فتلك الشخصية ليس لديها صديق ولا صاحب لأن حاملها يتغير مع تقلب مزاجه، ومهما حاولتم أن تتقربوا من مدير يتسم بتقلب المزاج فهذا الأمر يزيد من الأمور تعقيداً ويعطيكم أملاً كاذباً ببيئة عمل أفضل.
ويحاول عندها المدير بأن يثبت أنه مهني فيتقصد إيجاد ثغرات لكم ليثبت أن العلاقة المهنية والشخصية أمران منفصلان. وهذه هي كذبة كبرى يتم تناقلها عبر التاريخ.
نحن بشر ونحاول التفريق بين حياتنا المهنية والشخصية ولكن عند حدوث شرخ مع صاحب العمل على الصعيد المهني بسبب عدم وجود الاحترام يتأثر الجانب الشخصي معه.
علاقة صاحب العمل بموظفيه يجب أن تكون مبينة على المهنية البحتة. نرى للأسف أن هذه العلاقة تشبه في معظم الأماكن علاقة الزوجين فتشعر بأنك متزوج من مديرك حيث يتطلب عليك مراعاته ومسايرته حتى تمشي المركب، لكن مثل هذه العلاقة لا يجب أن تكون في مكان العمل.
في عالمنا العربي ما زال لدينا نقص في القادة الحقيقيين الذين يزرعون الإلهام في الموظفين. ورغم عدم إدراك المدراء أنفسهم لذلك، فهم تقليديون يلجؤون إلى التهديد وفرض العقوبات لتنفيذ أمر ما وإلى التوبيخ وعدم الاحترام عند حدوث مشكلة ما.
بدلاً من النظر إلى حل للمشكلة يقضي معظم المدراء جُل الوقت في إيجاد كبش فداء لها. ينقصهم العدل ففي يوم تكون موظفاً منجزاً ومبدعاً وفي اليوم الآخر مقصراً دون أي ثبات في الرأي.
لقد عشت تجربة التعامل مع هذا النوع من المدراء وشهدت العديد من زملائي يعانون الأمرين من المزاج المتقلب ويكتمون ما يشعرون به من غيظ ويظهرون بسمة كاذبة ويقتربون يوما بعد يوم من الذبحة الصدرية.
الحل يكون بالتركيز على العمل وإنجازه على أكمل وجه، مع تجنب ارتكاب الكثير من الأخطاء وأن لا نسكت ونلتزم الصمت عند تجاوز أي مدير الخطوط الحمراء معنا، لأن من حق الموظف أن يحترم في مكان عمله وهذا ما لا يجب التنازل عنه.
أما إذا كان التعامل مع المدير المزاجي صعباً للغاية، نصيحتي لكم -إن استطعتم- أن تجدوا باباً آخر للرزق، وذلك لأن حياتنا فيها من المنغصات ما يكفينا.
ولكن في ظل ظروف كورونا والبطالة المترتبة عليها حاولوا التمسك بوظائفكم وتحمل مدرائكم وعليكم بالمجاراة وعدم الاكثرات للألفاظ المسيئة والترفع إلى حين إيجاد بيئة سليمة تتوفر فيها سبل العيش الكريم والاحترام لأن العمر أقصر من أن نقضي ثماني ساعات في اليوم مع نفسيات مضطربة.
والله المستعان…