كثيراً ما نمر بمواقف ولحظات في هذه الحياة، تأخذنا بعدها الأفكار يميناُ ويساراً حتى نصل إلى نقطة تصبح فيها نظرتنا لأنفسنا مشوشة وثقتنا مهزوزة، فنجد أننا بحاجة مستمرة لتبرير وتفسير مواقفنا مرة تلو المرة، حتى بتنا نشعر بأننا في محكمة وصدى مطرقة القاضي يلاحقنا في أحلامنا وفي كل خطوة.
أصبحنا نهاب البشر أكثر من خوفنا من رب البشر.. لماذا كل هذا التبرير؟ ومن أجل ماذا؟
هناك الكثير من الناس يعملون بجد واجتهاد ومع ذلك لا ينالون التقدير الذي يستحقونه، وأنا هنا لا أتحدث فقط عن مكان العمل أو عن المنزل. ففي كل الأصعدة هنالك مواقف ظالمة يهيمن فيها القوي على الضعيف.
تجد الأم تعمل جاهدة في إدارة بيتها وتنظيم شؤون أسرتها، ليطلق عليها أحدهم كلمة “نكدة” في آخر النهار، وتبدأ هي في تبرير نفسها وكم هي متعبة، في الوقت الذي تحتاج فيه إلى كلمة طيبة وتقدير لدورها.
وقد تجد الأب يكافح جاهداً ليؤمن سبل العيش الكريمة لأسرته، في الوقت الذي يفتقر فيه عمله لأدنى درجات العيش الكريم، فتجده في مواقف الظلم يبلع ريقه بصعوبة ويتحمل الإهانات فقط لتدور عجلة الحياة، ويقوم بتبرير نفسه لرب العمل بسبب وبدون سبب.
وطالب المدرسة يتعرض لضغوط من الجميع من أجل علامات مثالية، ويضطر لتبرير تصرفاته أمام الأهل الذين يعتبرون أنهم معصومين عن الخطأ ومدرسين يعتبرون بأن لديهم الحق الكامل في توبيخ الطلاب، ليكتشف الطلاب عندما يكبرون بأن معيار النجاح ليست علامة يحددها امتحان موضوع من قبل المدرسة.
المشكلة ليست في عملية تبرير مواقفنا ولكن في الأشخاص الذين نمثل أمامهم من أجل تلك الغاية!
فكيف لمعمي البصيرة أن يرى شيئاً عندما يكون مشبعاً بأفكار سوداوية ونية سيئة غير قابلة للتغيير، ورغم ذلك نحاول أن نغير تلك الأفكار الراسخة لهؤلاء ونقوم بفتح صفحة جديدة جاهدين لنبرهن أنفسنا ونثبت قدراتنا.
فيقوم الموظف المجتهد بعد تلقي التوبيخ بالتبرير ويمضي قدماً لتغيير نظرة مديره به إلى أن يصل إلى نقطة يضطر فيها للاختيار، فإما يرفع الراية البيضاء وإما أن يبيع كرامته ويتلقى التوبيخ البعيد كلياً عن المهنية والاحترام خوفاً من انقطاع الرزق.
في الحقيقة يجب علينا أن نحلل الأشخاص الذين نتعامل معهم ونقيم منطقهم فالحياة أقصر من أن نضيعها في التبريرات العدمية التي لا تجدي نفعاً.
طبعاً هذا لا يعني أن نرتكب الأخطاء دون الاعتراف بها فعلينا التفريق بين تبرير موقف ما وتحمل المسؤولية على أفعالنا.
حتى عند ارتكابكم للأخطاء لا تسمحوا لأحد بالتمادي بالتوبيخ لأننا لسنا معصومين عن الخطأ، وتبرير الخطأ يجب أن يتناسب طردياً مع حجمه. فلا تفتحوا المجال لأي إنسان أن يقوم بتحجيمكم واستغلال خطأ ما لمذلتكم، خصوصاً عندما تكون الأخطاء المرتكبة قابلة للحل بيسر، فتلك النفوس تزداد اغتباطاً كلما قمتم بالاعتذار وتقتات على ذل الآخرين، فلا تكونوا مصدراً لإرضاء رغباتهم المريضة.
الحياة مليئة بالمفاجآت وزاخرة بالدروس المستفادة، لا تهدروا طاقتكم في تبرير أنفسكم لمن هو أعمى بل سخروها في العمل من أجل تحسين ذواتكم والرقي بأنفسكم لعيش هنيء ومستقبل أفضل لكم ولمحيطكم.