لاحظت عدة تغريدات على التويتر بمناسبة اليوم العالمي للطف وكلمات تشجيعية لأهمية اللطف ومدى أثره الإيجابي على المجتمع. قد يكون أثره فعلاً إيجابي ومنقطع النظير في الدوائر الاجتماعية والخاصة.. ولكن أيها القراء إياكم واللطف الزائد خاصة في مكان العمل لأن بيئة العمل في معظم الحالات تسود عليها طابع الوحشية المغلفة بالكلمات المنمقة. إياكم أن تقعوا فريسة المدراء بابتساماتهم المزيفة والتي يحاولون من خلالها الوصول إليكم حتى تأخذوا راحتكم وتتصرفوا على سجيتكم. لأن هذه الابتسامة سرعان ما سوف تمحيها التعليقات التي ليست لها أي علاقة بإنتاجيتكم أو مهنيتكم.. مثل تعليقات وإهانة بكلمات لا داعي لها عن مدى سوء كتابتك أو عن بطء بديهتك بينما يقوم أحد المدراء بإعطائك ملاحظات عن مهمة معينة بسرعة تقارب الضوء أو عن تعاسة فهمك إذا تجرأت وقمت بالسؤال عن أي من الملاحظات المعطاه سابقاً.
معظم إدارات الشركات في العالم العربي إدارات دكتاتورية ملهمه من الأنظمة العربية، تحاول وبشتى الطرق أن تحول الموظف إلى روبوت يقوم بمهام لا تحتاج إلى استخدام الجزء الإبداعي الموجود في أدمغتكم. نعم لدينا جزء أيمن قادر على الإبداع والتطوير والتخيل وابتكار أفكار قد تفوق أفكار مديرك الذي قد يفتقر للحس الإبداعي. السبب الذي يدفعه لتجاهل أفكارك حتى لو علم في قراره نفسه أنها أفكار قد تنقل الشركة أو المؤسسة نقله نوعيه. بل وفي معظم الأوقات يحاول اقناعك بأن أفكارك فاشلة ويحاول خلق حالة هوس لديك بأنك انسان غبي ولا تمتلك فهم عميق لقدومك بهكذا أفكار. وللعلم هذا النوع من المدراء سوف يقوم على الأرجح بعرض أفكارك ونسبها إليه عند أول اجتماع مع المدراء.
هذه هي حقيقة عقولنا العربية التي تبدأ بقمع الفكر والتميز منذ المراحل الدراسية الأولى. تبدأ بالمعلم الذي يرسخ فيك مبدأ السمع والإنصات والدراسة المحصورة فقط في المنهج الموضوع وكأن المناهج كلام منزل من الله لا يحتمل الخطأ. ومن الجدير بالذكر، أن معظم المعلمين لا يقومون بتشجيع التفكير الإبداعي أو بالترحيب بأي أسئلة خارج إطار المنهاج. كما أن نظام العلامات والامتحانات التي يقيم على أساسها الطالب دون النظر إلى اهتماماته والأشياء التي يبرع فيها من الأنظمة التي تزيد من هم الطالب وتثقله بل وتصرفه عن النظرة الأشمل المتمثلة في بناء أحلامه ومجهوده لمستقبل أفضل. يبقى التركيز على المنهج حتى أثناء الدراسة الجامعية في الوقت التي يجب فيها الطالب أن يقوم بالبحث والاستنتاج لإيجاد حلول للمشاكل سواء كانت رياضية أو حسابية أو معلوماتية. سياسة التعليم المبني على إعطاء لقمة وراء الأخرى للطلبة هي بداية المشكلة. عدا عن مشاكل التنمر التي تنتقل معك من المراحل الدراسية الابتدائية إلى بيئة العمل مع الزملاء.
ومن الجدير بالذكر أن الدراسات أثبتت أن شخصية الإنسان الناجح تتمثل بالشخص الذي يقوم بمجاملة الأخرين ومسامحة المخطئ. يحمل حس عالي من العرفان والشكر لمن يستحق ويتحمل مسؤولية أخطاؤه. يعطي الأخرين الفضل لنجاحهم ويقوم بمشاركة معرفته للأخرين. فهل يتمتع معظم المدراء العرب بهذه الصفات؟ يؤسفني أن الإجابة، أن المدراء يفتقرون بشدة لهذه الصفات.
فهم على العكس يلجؤون دائماً إلى الانتقاد الهدام والجدال العدمي ويحملون أضغان تجاه معظم زملائهم من نفس القسم ومن أقسام أخرى. تنتابهم أحاسيس بعدم الثقة بالنفس وإحساس بأن الجميع يتحدث بالسوء من وراء ظهورهم، الأمر الذي يدفعهم للتعامل مع الأخرين بفوقية حيث أنهم يقومون بفرض سيطرتهم عن طريق إشعار الأخرين بأنهم أقل أهمية للمؤسسة وبأن أفكارهم ذات قيمة أقل. وتصل إليهم الجرأة أن يقوموا بالاستيلاء على أفكار الأخرين وتلقي الشكر على انجازات الفريق دون أدنى إحساس بالحرج. والأسوأ من ذلك أنهم يقومون بإلقاء اللوم على الأخرين عند وقوع خلل ما أو خطأ ما دون أن يتحملوا المسؤولية. مع كل هذه الصفات التي تقترن بالإنسان الفاشل، استطاع هذا الشخص لسبب مجهول أن يصل إلى أعلى المناصب. لماذا وكيف استطاع فعل ذلك؟
الجواب يكمن في عامل اللؤم وفي البيئة الفاسدة التي نعيش فيها. الإنسان الوصولي واللئيم هو الإنسان الذي يصل في مجتمعاتنا الشرقية. السبب الذي يدعو المفكرين والأحرار إلى الهجرة إلى بيئة تحتضن فكرهم. فقلما نسمع عن إنجازات عربية يتم إلقاء الضوء عليها محلياً. دائماً نسمع عن إنجازات عربية تم تحقيقها والاحتفال بها في الدول الغربية. الشيء الذي يشعرنا بالخزي والعار لكوننا ننتمي لهذه الأمة التي كانت ولم تزل في خنوع وخضوع. ولكن هذا لا يعني أن الوصوليين والاستغلاليين فقط هم من يستطيعون أن ينالوا العلا. هنالك العديد من المدراء الذين تميزوا واستطاعوا النجاح مع الحفاظ على النزاهة. وأنا أحترم هؤلاء جداً لأنني شخصياً لا يشرفني أن أصل بطرق ملتوية حتى لو كان المردود المادي كفيل أن يجعلني من أغنى الأغنياء.
ما أود قوله هو أنني تعاملت خلال عملي بمختلف المجالات مع شخصيات قمة في اللطافة والتي انتهى بها الحال أن تكون خادما شخصياً لأحد المدراء أو مرسالاً يقوم بمهام لا تتناسب مع خبراتهم. أحضر لي قلماُ أو كتيباً أو أحضر لي ماءاً أو قم بمهاتفة هذا ومهاتفة ذاك والعديد من المهام الخاصة والتي لا تندرج تحت المسمى الوظيفي. لا تكن ضحية المكتب الجديدة. بل على العكس إن سمعت كلمة مسيئة أو تمت مخاطبتك بأسلوب لم يعجبك قم بعمل رد سريع ومهني. لا تخف من التوبيخ أو الطرد. لما الخوف على الرزق على حساب الكرامة.. إياك أن تطأطئ رأسك لأي كان واجعل إيمانك بالله كبيراً.. فهو بيده الرزق وحده.. لا تخف من مديرك وارفع رأسك ولا تعطي مجالاً لأي أحد أن يذلك أو أن يقوم بهز ثقتك بنفسك وبفكرك من أجل الحفاظ على لقمة العيش. ففي حديث قدسي يخاطب الله بني أدم سائلاً إياهم أن لا يخافن من ذي سلطان ما دام سلطان الله باق ولا ينفذ. عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: “يا ابن آدم.. خلقت السماوات السبع والأراضين السبع ولم أعيا بخلقهم، أيتعبنى رغيف عيش أسوقه إليك بدون تعب”.
وفي الختام.. لا تكن لطيفاً جداً في مكان عملك وتقوم بتوزيع الابتسامات البريئة.. فهي دعوة مجانية لزملاءك.. وكأنك تقول لهم أهلاً وسهلاً لقمتكم الجديدة جاهزة للمضغ. لا تتردد في عملك واجتهد فلكل مجتهد نصيب.. لا تتوالى عن إعطاء رأيك ولا تخف من أراء الأخرين في رأيك ولكن قم بعمل بحث كافٍ قبلها.. كن شجاعاً ولا تخشى المدراء ولكن التزم بالأنظمة. طالب بإجازاتك ومغادراتك بقوة فهي حق لك ولكن كن ملتزماً بساعات العمل. والأهم أن تجعل قلبك عامراً بالإيمان بأن الرزق من الله تعالى ولا تجعل منه عذراً لتلقي الصفعات. لا تكن لطيفاً في عملك.. فتصبح ضحية المكتب.