جميع من حولي سبق وزاروا مدينة اسطنبول الرائعة وانبهروا بعدة جوانب منها وكل له تجربته ومنظوره الخاص.والأمر المفروغ منه عند زيارة أي مدينة هو وجوب التعامل مع شعب تلك المدينة بغض النظر عن حاجز اللغة. فمن خلال التعامل مع الشعب، تستطيع تكوين حُكمك الخاص عنه. إليكم قصتي وكيف تعرفت على الشعب التركي…
مقيم في مدينة اسطنبول
نحن نقيم في شقة نملكها في منطقة اسمها “جمهوريات مهلسي”. وهي منطقة جيده تمتد بين حيي “بيليك دوزو” و”أسنيورت”. وتشتهر بكثرة المطاعم والكافيهات الراقيه والمرافق الخدمية والسياحية. وموقعها استراتيجي حيث تقع على خط المتروبوس الشهير وفيها محطه تسمى باسم المنطقة وهذه المحطة تؤدي دوراً مهماً في جعل جمهوريات اسطنبول قريبة جداً من أهم المراكز الحيوية في القسمين الأوروبي والآسيوي من المدينة.
في يوم من أيام صيف اسطنبول المنعش
قررنا اصطحاب الأولاد في نزهة بسيارتنا الخاصة إلى مركز مدينة إسطنبول السياحي بعد العصر. انطلقنا بالسيارة لمسافة تقدر ب 35 كيلو متر حتى وصلنا إلى مكان قريب نسبياً وهو “يني كابي” وهو ميناء فيه مقر شركات نقل ومحلات ومطاعم. قمنا بالاصطفاف بالسيارة أمام أحد المحلات التي أغلقت أبوابها قبيل المغرب ونحن نجهل قوانين تنظيم السير وركن السيارات.
قمنا بإغلاق السياره وذهبنا للتجوال في المنطقة السياحية الأشهر عالمياً. ميدان السلطان أحمد في اسطنبول والتي يوجد فيها الجامع الأزرق وآيا صوفيا والمتاحف والسوق المصري. وفيها الشواطئ والبواخر والسفن والجوامع الأثرية وفيها حديقة جولهانة الرائعة وقصر توب كابي والكثير الكثير من روائع تمزج بين الحاضر والماضي. فلكم أن تتخيلوا أن الوقت داهمنا بسرعة فنحن لم نشعر به أصلاً في حضور كل تلك الأماكن المبهرة. وبعد جوله ممتعة وتناول ما لذ وطاب من الأطعمة والحلويات والتسوق. شارفت الساعة على الواحده صباحاً فقررنا العودة بعد منتصف الليل.
والصدمة…
أننا ذهبنا لمكان وقوف سيارتنا فلم نجدها مكانها وبحثنا في كل مكان عَلَّنَا نعثر عليها ونحن في قلق شديد مما يحدث وما يزيد الطين بِلّة أن معنا أطفال لا تتعدى أعمارهم ثلاث سنوات متعبين، ومنهكين و يرتعشون برداً بعد قضاء يومٍ طويل من السير على الأقدام.
نحن لا نعرف ماذا حدث هل سُرقت السيارة ؟هل تم حجزها؟ قد بدت على وجوهنا كُلنا الخوف والإرهاق والقلق واذا بمواطن تركي في منتصف الخمسين من عمره له وقار وهيبة يقف من بعيد منتظراً. يراقب بهدوء ويحاول معرفة ما نريده حتى يتسنى له تقديم المساعدة. لم يقترب لأنه عرف أننا عرب ولا نتحدث اللغة التركية.
ولكن ما لفت انتباهه وقتها…
وجود الأطفال وتقدم بحذر واحترام وسأل باللغة التركية عن وضعنا ولحسن الحظ كانت ابنتي تتعلم اللغة التركية آنذاك ففهمت عليه وشرحت له عن الورطة التي أوقعنا أنفسنا بها. قام هذا الرجل اللطيف بالاتصال بالشرطة التي أخبرته أن السياره تم سحبها وحددت مكان تواجدها. وبصعوبه بالغة فهمنا القصة وأصر أن يصطحبنا بسيارته الخاصة إلى البيت وأصر على عدم تركنا حتى يطمئن علينا.
وقد مكث معنا قرابة الساعتين حتى الساعة الثالثة فجراً ولم يتركنا للحظة حتى تأكد أننا ركبنا السيارة وفي طريقنا إلى المنزل وذلك بعد إخراجها من الحجز ودفع الغرامة المطلوبة علماً بأن المنطقة التي كنا نقف بها تمتلئ بالنوادي الليلة.
ولكن المثير بالأمر…
بأنه لم يعترضنا أي أحد بأي سؤال ولم نجد نظرة فيها أحكام مسبقة عنا مطلقاً على عكس ما نمر فيه في مجتمعاتنا العربية. فمجرد تواجدك في منطقة كهذه أنت محط شبهات. ربما الشعب التركي منفتح أكثر منا ولذلك كان متفهماً ومتقبلاً للآخر.
رغم خلو المكان من دوريات الشرطة كان الفضل لله ثم لهذا المواطن التركي الذي لم نعرف اسمه وعنوانه حتى، لنشكره كما يلزم على مساعدته لنا دون أي مقابل.
بينت صحيفة “يني شفق” نسبةً إلى تقرير صادر عن الشرطة أن نسبة 30% من الجرائم المرتكبة هي من قبل أجانب. حيث احتلت منطقة أسنيورت المركز الأول في قائمة المناطق التي ارتُكبت فيها جرائم قتل وبحسب بيانات الشرطة فإن معظم جرائم القتل وقعت أيضاً في منطقتي الفاتح وبنديك التي تعد مناطق ذات كثافة سكانية عالية للغاية واللافت بالأمر بأن أكبر عدد من جرائم القتل ارتُكب بين الساعة العاشرة ليلاً والساعة الواحدة بعد منتصف الليل، بمعدل 23 جريمة قتل سببهم الرئيسي قضايا الديون والمخدرات والدعارة.[2]. |
المغزى
قد تكون هذه القصة بالنسبة لكم عادية ولكن بالنسبة لي وقتها كأجنبي في بلد غريب. أحسست بالأمان وبأن الخير منقطع النظير وبأن الله دائماً يجد لك مخرجاً ويسخر لك الطيبين وقت الحاجة. كانت هذه قصة من بين قصص كثيرة مكنتني من معرفة الشعب التركي ولا يعني هذا أن جميع الشعب طيب ولكن هكذا أنا تعرفت على الشعب التركي.