متى كانت آخر مرة مررتِ فيها بانهيار كاد يفقدك صوابك؟
فجأة وفي وسط زخم ضغوط الحياة، تجدين نفسك في حالة من الذهول والصدمة، وكأنك أدركت للتو بأنك أم لطفل أو طفلين وفي حالتي حامل بالثالث، وتشعرين بأنك استوعبت الأمر وما يتبعه من عواقب.
يتوقف الزمن لوهلة في وقت حساس يصاحب تحضير طفلك الأول للمدرسة ومحاولة فاشلة لتنظيف طفلك الآخر على أمل أن يستغني عن استخدام الحفاض قبل ولادتك حتى لا ينتهي بك الأمر بأنهار من الفضلات والفوط المتسخة.
تبدأ حالة هستيرية من فقدان السيطرة الغير معهودة بالنسبة لك، تقومين بإغلاق باب الحمام عليك وتنهالين بالبكاء كالأطفال. في تلك اللحظة وإن كنت أكثر الناس امتناناً لنعم الله عليكِ وأكثر الناس إدراكاً بأن مشاكلكِ ما هي إلا شيء بسيط بالنسبة للكثير من الأمهات…في تلك اللحظة لا يسعك التفكير إلا بحجم المأزق أو الورطة التي أقحمتِ فيها نفسك…
بعد أن تنتهي نوبة الدراما والبكاء الشديدين، تأتي مرحلة من الصفاء الذهني التي تبدئين فيها بالتخطيط لكيفية تنظيم حياتك للوصول إلى حالة من الإتزان العاطفي والنفسي للتقدم نحو الأمام، ننظر لأنفسنا أمام المرآة في كثير من الأحيان نحدق بانعكاس أنفسنا ونشعر بالضياع لأننا لا نرى في انعكاسنا صورتنا التي عهدنا أو صورتنا التي نطمح لرؤيتها، يصيبنا هلع بسيط نختار أن نهمله لنمضي قدماً في حياتنا الصاخبة المليئة بضغوطات من كل صوب سواءً كانت مالية أو صحية أو نفسية.
تمر الأيام و تتراكم الهموم حتى نصل إلى مرحلة نفقد فيها السيطرة ونصبح عاجزين عن عمل أي شيء وكأنها حالة بسيطة من الاكتئاب التي تذكرنا بأننا في النهاية بشر ضعفاء لا نملك قدرة التحكم بحياتنا ومجرياتها بالكامل.
لذلك، في كل مرة تشغلنا الحياة عن ذكر الله نجد أنفسنا نعود للنقطة التي ندرك فيها مرة أخرى بأن ذكره هو الحل، لأن كل شيء يعود له في باديء الأمر وآخره.
شهيق عميق وزفير أعمق وحوار تشجيعي بين نفسكِ القوية ونفسكِ المضطربة “نعم، تستطيعين فعل ذلك”.. “أولادك بصحة جيدة ومشاكلك وإن كبرت بسيطة”..”أنت لها”..”أنت قادرة على فعل ذلك”.. تمسحين دموعك وتخرجين وكلك طاقة وخطط جديدة لكل ما ستقومسن به ليريحك من مشاكلك ومهامك اليومية التي ظننت أنك عاجرة عن حلها أو التعامل معها، هذه هي الحياة متقلبة وفي تموج مستمر ومليئة بالغموض غير المرحب به في معظم الأوقات.
وهنا أود التذكير بأننا كأمهات يجب أن نكون عوناً لبعضنا البعض وألا نسارع في إلقاء الأحكام المسبقة لأننا بشر في النهاية، فحتى أكثر الأمهات صموداً تأتيها لحظات من الانهيار التي تشعر فيها بأنها أخفقت في العديد من الأشياء.
نحن كأمهات نشعر بالذنب المتواصل تجاه طريقة تنفيذنا للأمور وتعاملنا مع أولادنا، ونلقي اللوم على أنفسنا ونقوم بجلد الذات مراراً وتكراراً. فمن الأحرى أن نتلقى تشجيعاً وتفهماً من الآخرين لا أصابع لوم أخرى تتجه نحونا.
يؤسفني حقاً عندما أدخل إلى العديد من مجموعات الأمهات في مواقع التواصل الاجتماعي لأرى كمية التنمر والكلام المشبع بالأحكام على تساؤلات عضوة ما أو كمية التنظير التي تلقيها الأمهات متناسين أنهن قد يتعرضن لمثل تلك المواقف والتساؤلات ولو في مرحلة لاحقة من حياتهن.
وفي النهاية، مرورنا بلحظات انهيار من وقت لآخر لا يعني أننا عباد غير شاكرين أو ممتنين لنعم الله أو أننا غير مدركين كم نحن محظوظون لعدم وجود مصائب كبيرة في حياتنا، ما يحدث ما هو إلا تنفيس عن ضغوطات يومية، فتلك التنهيدات التي نطلقها من وقت لآخر ما هي إلا صمام الأمان لانفجار مرتقب في دواخلنا. فكلما أطلقنا تنهيدة أمنا لأنفسنا الحماية من الانفجار، فلنتنهد كما نشاء فلعل ضغوطاتنا في زوال عاجل.
ومع نهاية كل انهيار، تذكروا بأنكم لستم الوحيدين الذين يمرون بذلك ولكن لا أحد يحب أن يظهر ضعفه ودموعه أمام أحد آخر، وأن ما نراه من حياة الأشخاص من حولنا في مواقع التواصل الاجتماعي هو فقط الجانب المشرق ومن منا ليس لديه جانب مظلم يبقيه لنفسه!
أعطوا أنفسكم فرصة لإزاحة الضغط وخذوا قسطاً من الراحة حتى تعودوا إلى سابق عهدكم وأقوى من قبل، لعل الله يرزقنا راحة البال.. اللهم آمين