كثيراً ما نسمع جملة “احفظوا خط الرجعة”، وما تعنيه هو أن نمضي قدماً في قرار ولكن مع الاحتفاظ بالقدرة على العودة إلى موقعنا الأول والنقطة التي انطلقنا منها.
وذلك لأن الحياة مليئة بالمتغيرات التي قد تضطرنا للعودة لهذه النقطة، أو لاحتمالية وجود دافع مستقبلي يخلق فينا رغبة عارمة للعودة لتلك النقطة التي كانت تبدو لنا غير ذات قيمة.
ولكن للأسف معظم الأشخاص لا يستطيعون الحفاظ على خط الرجعة لأن الأمر ليس بالسهولة التي نتصورها!
فهنالك قدر عالٍ من الدبلوماسية الواجب بذلها لتحقيق ذلك، وقد تكون هذه الدبلوماسية غير مهمة أو لا تستحق الجهد المنوط بها في تلك اللحظة التي قررنا بها المضي عن موقع ما في مكان عمل، أو عن شخص ما كنا قد أحببناه، أو عن عائلتنا التي بنيناها بيدنا مع الشريك ونريد أن ننهيها الآن.
خط الرجعة ينطبق على جميع مراحل حياتنا ومع مختلف الجهات في حياتنا الشخصية والعملية على حد سواء.
وبالرغم بأنه يرتبط في معظم الأوقات بمكان العمل والقدرة على تركه مع الحفاظ على علاقة ودية مع الجميع وخاصة صناع القرار.
إلا أن خط الرجعة يجب أن يُحفظ حتى في العلاقات الشخصية بين البشر ولاسيما بين الأصدقاء والأقارب والأزواج.
فكيف نستطيع إبقاء هذا الأمر في أدمغتنا عند اتخاذ قرارتنا!
في مكان العمل، قد نواجه العديد من المنغصات التي تدعونا للتفكير الدائم بمهرب ما. فهناك العديد من الأشخاص الذين يشعرون بأنهم سجناء في الوظيفة بسبب الضغوطات التي تفرضها طبيعة العمل نفسها.
أو بسبب ضغوطات نفسية قد يفرضها المسؤول أو حتى زملاء العمل.
ومهما بلغت هذه الضغوطات وحتى لو تراكمت مظالم العمل، فيجب علينا أن نعد للعشرة في قرارتنا.
الأمر الذي يميز الشخص المهني عن الشخص الذي يتبع هواه ويسير جسده اعتماداً على ذلك، فحتى القارب الشراعي الذي تحركه الرياح توجهه يد القبطان الذي يحسب مآلات الأمور.
نحن نمتلك العديد من المسؤوليات على عاتقنا وعلينا أن نكون على قدر عالٍ من المسؤولية.
فحتى لو حالفنا الحظ بالعثور على مهرب أو وظيفة أفضل، علينا أن نترك دائماً بصمة جيدة في موقعنا الحالي ونصنع خاتمة ودية مع الجميع في مكان العمل حتى لو كان جل ما نود فعله في تلك اللحظة هو الصراخ على كل من كان له يد في أذيتنا أو ظلمنا.
إلا أننا يجب أن نتذكر بأن هذه الدنيا غير متوقع عقباها وأنها صغيرة قد تجمعنا بنفس الأشخاص الذين فارقناهم في المستقبل.
أما في العلاقات الشخصية، فيكون الحفاظ على خط الرجعة أكثر أهمية، ذلك لنحفاظ أيضاً على إنسانيتنا، وهو ما يميزنا عن الوحوش!
فعندما تجبرك الظروف والمواقف على ترك صديق ما لأذىً أحدثه فيك فلا تفارقه بألفاظ نابية، ولا تقم بأفعال مشينة لا تمثلك بهدف رد الاعتبار، بل تذكر بأن الدنيا دوارة وبأن الله مطلع ولا داعي للقيام بأشياء لا تمت لك ولماهيتك بأي صلة.
من أفضل المقولات التي أبقيها دائماً نصب عيني هي: أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما وابغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما.
وفي العلاقات الزوجية، حتى وإن ترك الأزواج بعضهم البعض لأي سبب وبغض النظر عن المخطئ وعن مدى جسامة خطئه، عليهم الحفاظ على خط الرجعة فلعل الله أحدث أمراً في المستقبل وتهيأت الظروف لهدنة بينهما.
وما أكثر الأزواج الذين لم يستطيعوا الرجوع لبعضهم بسبب المواقف العديدة التي أجرم بها الشريك بحق شريكته أو العكس وقت المشكلة والانفصال. فتذكروا العشرة الطيبة حتى في أوقات الفراق.
والجدير بالذكر أن ما ذكرته سابقاً لا يعني بالطبع أن نسمح للآخرين بمس كرامتنا أو السماح لهم بالتطاول علينا، بل ما أقصده هو أن علينا أن نحسب أفعالنا وأقوالنا في كل ناحية من نواحي حياتنا وندع للعفوية مجال ولكن بحدود أيضاً.
فعقلنا هو ما يحركنا وعواطفنا هي الداعم للعقل في معظم قرارته.
كلنا نسعى في هذه الحياة إلى الوصول إلى أهدافنا التي وضعناها قبل سنين مضت. إلا أن التضحية بالأشخاص الذين نقابلهم في طريقنا للوصول للغاية هي من أنذل التصرفات التي يتصف بها البشر.
ومن الأشياء التي لم تزل تفاجئني في بني الإنسان أنانيتهم المفرطة التي لا تسمح لهم بأن يضعوا أنفسهم بمكان الأخرين. يفتقر هذا الكائن إلى الإحساس بالآخرين.
فكثيراً ما نضع مبررات لأفعال خاطئة ونحن ندرك عواقبها ولا نخاف من أحد وكأننا نرقص وحدنا على هذا المسرح.
نعم هنالك ما يدعى بالخطايا التي تعود إلينا، فعلى الباغي تدور الدوائر، ولا يحق لأي شخص أن يبرر لنفسه إيذاء الأخرين بحجة أنه تلقى نفس الأذى والألم.
فلنرتقي بأفكارنا ولنقف أقوياء أمام ظلم الزمن ونحفظ خط الرجعة مع أي شخص كان على هذا الكوكب، سواءً كان قريباً أم بعيداً، فلا شيء يبقى على حاله إلا الله…