انتشر مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي تحدي أُطلق عليه “تحدي العشر سنوات”. يهدف هذا التحدي بكل بساطة إلى نشر صورة للمستخدم في الوقت الحالي وأخرى له قبل عشر سنوات. شهد هذا التحدي إقبالاً واسعاً من قبل الأشخاص العاديين على الفيس بوك والإنستغرام والتويتر من مختلف الجنسيات كما انضم إليه عدد لا بأس به من الفنانين والمشاهير في جميع أنحاء العالم.
وبعيداً عما يشاع بأن شركة فيسبوك قامت بإطلاق التحدي من أجل جمع بيانات عن المستخدمين من خلال صورهم، لقد تفاجأت من مقدار الأشياء التي تغيرت في العديد من الأشخاص حولي. منهم من خسر نصف وزنه، منهم من شاب وامتلأ وجهه بالتجاعيد، منهم من شعّت بشرته نضارة وحيوية، ومنهم من أسس عائلة وأصبح لدية ولد أو اثنين. ولكن ما جذبني فعلاً بهذا التحدي ليست الصورة نفسها بل التغيرات التي تعكسها تلك الصور.
فصورنا وتجاعيدنا ما هي إلا انعكاسات لتجارب الحياة التي عشناها على مدى السنوات. بنظري تحدي العشر سنوات هو فرصة لنا بأن نقوم بمراجعة أنفسنا والنظر عميقاً في ذواتنا. فمن الأولى أن ننظر إلى التغيرات الإيجابية والسلبية التي ساهمت في صناعة جوهرنا وجعلتنا نصبح ما عليه اليوم. كيف أصبحنا نتعاطى مع التحديات والهموم التي تواجهنا. هل ما زلنا نفس الأشخاص أم أصبحنا أشخاص مختلفين كلياً بعد مرور كل هذه السنين.
على مر عشر سنوات، كونا صداقات جديدة مع أشخاص تجمعنا معهم قواسم مشتركة وخسرنا صداقات عديدة. أصبحنا خبراء في لغة الجسد وقراءة الأوجه بل وأصبحت لدينا وجوه مختلفة نرتديها بناءً على المواقف والأشخاص. استطعنا تطوير مهارات شتة في التواصل والاستماع والحوسبة وفقدنا مهارات أخرى هامة بسبب التطور التكنولوجي مثل الحفظ والكتابة. أصبحت ثقتنا بمحيطنا أقل وأصبحنا نقوم بتطبيق نصائحنا التي كنا فقط نكتفي بإعطائها لطالبيها. فهمنا معنى الدبلوماسية الحقة وأدركنا مدى أهميتها في علاقاتنا الاجتماعية قبل علاقاتنا المهنية. لم نعد نرجف خوفاً من أصحاب المناصب العليا ومدراءنا، ولم نعد نتلعثم عند طلب حقوقنا. أدركنا سواد العالم الذي نعيش به وفقدنا قليل من انسانيتنا مع الأيام ومع كل خبر نسمعه على التلفاز حتى أصبحت قلوبنا قاسية ومتحجرة تجاه الموت ومشاهد الدمار وضعف الحال.
كم من الأيام أمضيناها بكاء ًعلى أشخاص أو مواقف أو أمور لا تستحق منا دمعة وكم حملنا هموماً فوق طاقتنا على أشياء أصبحت لا تشكل شيئاً من واقعنا اليوم. كم قضينا ساعات بتحليل زائد لأمور ليست بيدنا وبيد الخالق. وضيعنا وقتنا بسؤال العبيد في الوقت الذي كان يجب أن نتجه فيه بالسؤال لله القادر فوق عباده. جرعتنا الإيمانية كانت تزيد مع المصائب وتختفي وقت النعم. فهل أولينا الأمور الروحانية حقها خلال السنوات العشر، أم أصبحنا أكثر بعداً عن الخالق وأكثر تعلقاً بالحياة الدنيا.
أصبحت حياتنا مربوطة بشكل كبير بالمادة في كل شيء. حتى الروابط الإنسانية أصبحنا نقيمها استناداً إلى الفوائد المادية التي تعود علينا. قلّت نسبة الصدقات والتبرعات التي نوجهها للأشخاص الأقل حظاً ونبرر عدم إعطائها بسوء الوضع الاقتصادي، متناسين بذلك الفضل العظيم الذي يعود علينا وعلى أرزاقنا في حال قمنا بالعطاء. أصبحنا أكثر أنانية وأكثر مادية على كل الأصعدة. الأمر الذي أدى لتدهور العالم من ناحية الأخلاق والقيم. أصبحنا نعيش في عالم مادي تحكمه المصالح والمردود المادي محلياً وعالمياً.
ولم يقتصر تحدي العشر سنوات على الأشخاص بل أخد منحنى أبعد ليشمل العديد من القضايا العالمية والمجتمعية، ضجت منصات التواصل الاجتماعي بالعديد من الصور التي تقارن وضع المديونية للبلدان قبل وبعد، الاحتباس الحراري والتغير المناخي، وضع العالم العربي بعد ثورات الربيع العربي، خرائط الدول بعد التقسيم وغيرها من المقارنات التي تعكس الصورة السلبية قبل الإيجابية.
والجدير بالذكر هنا أن مراجعة النفس لا تكمن فقط بالإشارة للأمور السلبية بل أيضاُ الإيجابية منها على حد سواء. فمن أكبر التحديات أن يستطيع الإنسان الحفاظ على الأخلاق الحميدة والخصال الطيبة المزروعة في الذات. حيث يصبح التمسك بالأخلاق والقيم أصعب في ظل ما يمر به العالم من تغيرات إلى الأسوأ. نحن الأن في زمن البلاء والمحن والفتن التي قد تبعدنا عن الطريق الصواب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي زمان على أمتي القابض على دينه كالقابض على جمرة من النار. وذلك من شدة الشدائد التي تصيبنا في زمننا الحالي.
عشر سنوات مرت من عمرنا وطبعت علامات مُرها وحلوها على وجوهنا، لتشكل صورتنا الحالية كل ما مررنا به خلال السنوات الماضية. ويبقى السؤال الأهم ما هو مصيرنا بعد عشر سنوات أخرى…هل سوف نتعلم من أخطائنا لنصبح أشخاص أفضل أم أننا سوف نبقى على حالنا. فلنأمل أن يصبح العالم مكاناً أفضل أما عن نفوس البشر فعلمها عند ربي… والله المستعان.