نظرة تحدي…ردود انفعالية…سكوت عميق…سلوك عدواني وعصبية غير مبررة والعديد من التصرفات التي تخص المراهقين قامت بها إبنتي ذات الخمس سنوات بشكل مستمر في الأونة الأخيرة.
الأمر الذي جعلني في حالة من الارتباك حول كيفية التعامل معها دون قمع شخصيتها القوية.
أعلنت حالة الطوارئ وبدأت بالبحث عن أسباب هذه التصرفات التي لم نكن نحن لنجرؤ أن نقوم بها تجاه أهالينا خوفاً من عقابهم ومن نظراتهم التي كانت كفيلة بأن تنسينا أسامينا وتوقف الزمن، فما هي المراهقة وهل حقاُ ابنتي دخلت هذه الفترة في عمر صغير للغاية؟
المراهقة في العادة تبدأ من عمر ال15 عاماً إلى عمر ال25، وقد تتغير في بدايتها ونهايتها من شخص إلى أخر، وهي تختلف عن البلوغ المقتصر فقط على النمو الجسدي للطفل.
ولا ترتبط المراهقة دائماً بتجاوز الحدود حيث أن العديد من الأشخاص تكون مراهقتهم هادئة نسبياً مع اعتدال عاطفي.
إلا أن المراهقة المحفورة في أذهاننا هي تلك المليئة بالقفزات العاطفية وتبدل المزاج والتمرد على السلطة بشتى أشكالها. وحسب هذا التعريف ابنتي حتماً لم تدخل هذه المرحلة بعد!
قمت بتشغيل راداري الأمومي للتقصي وأصبحت أقضي وقت أكثر مع ابنتي لأكتشف ماذا تفعل وماذا تشاهد على جهاز الآيباد.
فرغم الانتقادات المتنوعة التي تلقاها هذا الجهاز من مجتمع الأمهات، مازلت أشعر بأن الطفل قد ينمي العديد من مهاراته الذهنية عن طريق ألعاب أو برامج من شأنها رفع مستواه العلمي والفكري.
ولا ضير من السماح للأطفال باقتناءه من وجهة نظري علماً بأن تقنين ساعات المشاهدة مهم جداُ.
لاحظت أن ابنتي مدمنة على قنوات اليوتيوب العدمية التي من شأنها تفريغ عقل الطفل من كل ما هو جيد ومثمر.
تشاهد بشكل دوري أطفال يتم استغلالهم من قبل أهلهم لتناول كل ما هب ودب من حلويات وأطعمة مدمرة للصحة دون الاكثرات لشيء عدا نسبة المشاهدات، كشف كامل للحياة الشخصية للأزواج والأطفال بجميع تفصيلاتها الحميمية على مرأى الجميع، كم هائل من الألعاب والأغراض التي يحلم بها كل طفل تُفتح وتكسر يومياً على أيدي أصحاب هذه القنوات.
عدا عن فتيات مراهقات يقمن بعمل مقالب وارتداء ملابس لا تتناسب مع قيمنا وعاداتنا.
فأي قيم سوف تأخذ ابنتي من هكذا محتوى عدا تنمية شعورها بالنقص المستمر لعدم اقتنائها كمية مبالغ فيها من الألعاب أو عدم تناولها لكميات مهولة من الحلويات.
بالإضافة لشعورها بأن حياتها مملة تنقصها الرحلات والأنشطة في ظل وباء كورونا الذي جعل الأم مجبورة على أن تبقى حبيسة المنزل مع أولادها في معظم أيام العطلة.
أول ما قمت به هو حذف اليوتيوب وذلك لأنني أم عاملة ولا أستطيع أن أراقب أو أتحكم باستمرار بالمحتوى الذي سوف تشاهده. وكبديل قمت بالسماح لها بمشاهدة قدر معين من بعض المسلسلات الكرتونية.
فعامل وجود القصة والشخصيات المتنوعة مهم لبلورة التفكير وعنصر الربط في أدمغة الأطفال. ولكن أحذركم من أن العديد من هذه المسلسلات تحاول دس العديد من الأفكار الغريبة كلياً عن عاداتنا وأخلاقنا وذلك لأنها ليست كلها موجهة للأطفال.
أنصحكم أن تختاروا مسلسلاً تنسجمون فيه كأهل لتتابعوا عدة حلقات مع أطفالكم للتأكدوا من أنه مناسب لعمر أطفالكم وللأفكار التي تودون زراعتها فيهم.
ثانياً، لا تسمحوا لأطفالكم بالتحدث معكم بنبرة عالية أو بأسلوب غير لائق. فهما كانت حاجاتهم، هم على وعي كافي للطلب دون تجاوز حدود الأدب. من الوسائل التي وجدتها مفيدة جداً لتوجيه ردود فعل الأطفال هي طلب إعادة صياغة الجمل العنيفة لتصبح أكثر أدباً.
مثلاً من الأوامر التي تلقيتها مؤخراً من طفلتي أن أقوم بتقليل حجم الساندويش الذي تأخده للمدرسة.
صيغة الطلب الأولى كانت: “ماما، ضعي ساندويش أصغر لي من أجل المدرسة” مع نظرة المحارب وزئير الأسد.
لم ألتفت لها وقلت لها أطلبي بصيغة مختلفة لألبي حاجتك. فقالت لي: “ماما، عادي أن تقومي بوضع ساندويش أصغر للمدرسة لو سمحت” …الأمر الذي يدل على أنها على وعي تام بكيفية التحدث بلباقة.
قد يعتقد الكثيرون بأن هذا المثال المذكور لا يستحق كل هذه الجلبة والاهتمام، إلا أن التوجيه مهم للغاية ويبدأ بالأمور الصغيرة إنطلاقاُ للأمور الكبيرة.
والجدير بالذكر أن الثبات على المبادئ مع اختلاف التصرفات والأخطاء وحتى المكافآت يسهِّل على الطفل فهم المطلوب مما يؤدي إلى تطبيق سلس من قبل الطفل.
أطفالنا هم نعمة مرسلة من السماء ورغم كل الصعوبات التي نواجهها يجب أن نعثر على التوازن في تربيتهم. فهنالك أشياء قد نتغاضى عنها كتصرفات معينة سببها نكد النوم أو التعب، لكن في المقابل هنالك العديد من التصرفات التي تحتاج منا وقفة حازمة لا تراجع فيها.
نحن على مشارف عهد جديد من الانفتاح والأفكار الدخيلة المؤذية وعلينا أن نقوم بدورنا في حماية أطفالنا من أي شيء قد يفسد براءتهم ويجعلهم يحيدون عن الطريق الصحيح، ولنبقي دائماً نُصب أعيننا أن التربية ما هي إلا وسيلة لسعادة أولادنا واستقامتهم في هذه الحياة الدنيا.