في الحياة مواقف لا تنتهي ومعارك متجددة نحصد منها مكاسب أو نتكبد فيها هزائم. وبطبيعتنا البشرية عندما نشعر بالنصر بعد معركة عنفوانيه نشعر بنشوة لا مثيل لها. ولكن ليس كل نصر هو فوز حقيقي. فبعض المعارك ربحها خسارة حقيقية لصاحبها. وهذا الأمر ينطبق في شتى المجالات، في العمل ، ومع الأصدقاء، ومع الأخوة، ومع الشريك، ولكن سنتطرق أكثر إلى العنصر الأهم والاقدس في حياتنا وهم الوالدين.
المعارك مع الوالدين
لا شك في أن هناك اختلاف شاسع في طريقة التفكير بين الآباء والأبناء. وأنا مازلت أذكر جميع المناوشات التي خضتها مع أهلي. ولكن على الرغم من الاختلاف في طريقة التفكير. إلا أن نظرة الآباء للأمور أشمل وأوسع من وحي خبرتهم الأكثر في الحياة. لذلك ليس هناك مانع من الاستماع إلى آرائهم في الأمور الحياتية مع الاحتفاظ باستقلاليتنا وقناعاتنا على حد سواء.
وإن كان هناك موضوع حساس وتسبب في نقاش من النوع الثقيل، فلا تلجأ إلى أذيتهم بكلام جارح، فهم الذين أوصلونا لما نحن فيه الآن. ومروا بمصاعب أثقلت ظهورهم وحفرت ملامح الكبر على وجوههم الطاهرة حتى نكبر. لا داعي من الانتصار في كل مرة، وتذكر، أنت الذي تحرك مركب حياتك وأنت القبطان، ولكن دون وجود مجاذيف على الجانبين لن تسطيع السير في البحر. كذلك هي حياتنا لا نستطيع العيش بمعزل عن الآخرين وبالأخص الوالدين.
بعض النصائح للتعامل مع النصائح الغير مرغوب فيها من الوالدين
أولاً: كن صادقاً
في الكثير من المرات، يسدي الوالدين نصائح من قلقهم وخوفهم علينا، دون الانتباه إلى طريقة إبداء الرأي. ففي بعض الأحيان تكون الطريقة نقدية وفيها إحراج وإصدار لأحكام مسبقة دون الالمام بكل حيثيات المسألة.
عندما يقوم والديك بتقديم نصيحة قد تزعجك أو تغضبك. حاول أن تحافظ على هدوئك ولا تنفعل وصارحهم بما يخالجك من أفكار أو مشاعر. وقد يصدمك مدى انفتاحهم وتفهمهم للأمر.
بحسب دراسات سابقة، يلجأ المراهقون للكذب على آبائهم كوسيلة لتجنب الكشف عن المعلومات. فخلال عدة مواضيع، 30%-70% من طلاب المدارس الثانوية كذبوا لإخفاء الحقيقة[1]. |
ثانياً: استمع إلى نصيحة الوالدين
قد تكون معظم خلافاتنا مع آبائنا بسبب عدم استماعنا من الأساس إلى النصائح المقدمة من الأهل. ظناً أنهم لا يدركون ما نمر به أو لوجود صورة نمطية لدينا. فقد تشعر بالضيق عند تشكيكهم بطريقة نظرتك للأمور وعند حكمهم على استراتيجياتك في التعامل مع مسألة ما.
لكن قد يساعدك محاولة فصل مشاعرك عن نصيحة والديك ، بالاستماع إلى نصيحتهم بموضوعية، بدلاً من الرد بطريقة دفاعية والهجوم مستنداً على مشاكل سابقة أو تراكمات لم تقم بمعالجتها معهم.
قال جورج واشنطن الرجل الذي حكم أمريكا ذات مرة، بأن أعظم معلم لديه كانت والدته.ولأن والديك هم أدرى بك، يمكنهم أن يقدموا مشورة أفضل من أي شخص آخر قد يتعامل معك لدقائق أو ساعات من مدرسين أو مدربين[2]. |
ثالثاً: كن ممتناً
في الوقت الذي تتضايق من نصيحة ما من والديك، ذكر نفسك بأنك محظوظ أنهم على قيد الحياة وبأن نصيحتهم بغض النظر عن الأسلوب هي بدافع الاهتمام الذي لن يقدمه لك أي شخص آخر. تذكر النصائح الجيدة التي كانت في محلها وكيف ساعدتك في تخطي الصعاب على مر السنوات.
وجدت الدراسات أن التدين يعزز من الامتنان لدى الأبناء، حيث أن التعاليم الدينية تؤكد على هذه القيم. فقراءة الكتب السماوية والصلاة ووجود علاقة قريبة مع الله، عوامل تنمي الامتنان لدى الأطفال، أي أن قراءة القرآن الكريم يساهم في زرع ما يجاهد الكثيرون لغرسه في أطفالهم[3]. |
رابعاً: كن حازماً ولكن طيباً في نفس الوقت
بينما قد تكون العديد من النصائح مفيدة، البعض الآخر قد لا يكون مواتياً لك بسبب التغيرات الشاسعة في عالمنا الحالي واختلافه تماماً عن جيل الآباء أو بسبب اختلاف وجهات النظر. أو بسبب عدم تماشي هذه النصيحة إطلاقاً مع أسلوب حياتك.
فلا ضرر هنا من الاستماع إلى النصيحة وعدم تقبلها ولكن بأدب و تستطيع التعبير بأن هذه النصيحة لا تناسبك. قد يمتعض الآباء من ذلك في البداية إلا أنه سيحترم تفردك واستقلاليتك مع مرور الوقت.
بينت دراسة أن التوتر الناتج من مواضيع معينة تؤثر سلباً على طريقة نظرة الآباء والأبناء لبعضهم البعض. كما تؤثر هذه التوترات على المدى الطويل في علاقة الآباء بأبنائهم وذلك نتاج تراكمات يصعب تغييرها. ومواضيع التوتر تشمل النصائح غير المرغوب فيها،مثل الاختلافات الشخصية،وتربية الأطفال، والأمور المالية، والتدبير المنزلي، ونمط الحياة والتعليم والصحة[4]. |
خامساً: سايرهم
مهما كان الوالدين متفهمين فقد يكون هناك نقاط مستحيل الاتفاق عليها أو وجود مكان وسطي يستقر عليه الأبناء والآباء في بعض المسائل. لهذا، ليس النقاش دوماً الحل. حتى عندما يقوم آباءنا بإسداء نصائح عفا عنها الزمن ولا تنعكس على زمننا الحالي، يبقى واجبنا تجاههم الاحترام.
فبدلاً من الدخول في عراك تخسر فيها ود الوالدين تشعلهم غضباً، الايماء أحياناً يكفي. وحاول التفكير بإيجابية بأنهم يساعدونك بالطريقة الوحيدة التي يظنون أنها الأنسب.
سادساً: أوجد حلقة دعم مكونة من أفراد لديهم نفس المصاعب
عندما نعيش بمعزل عن الآخرين، نعتقد بأننا الوحيدون الذين يمرون بمشاكل معينة ولكن عند التعرف على أفراد لديهم نفس الصعاب، نشعر بالراحة. إذ أن هناك أشخاص آخرين يمرون بنفس التجارب وقد يقومون بإعطائك لمحة أكثر عن حلول غائبة عن تفكيرك.
وفي الختام..
بغض النظر عن ما تفعل أو ما تقول..دائماً سيكون هناك آراء تتشكل حولك. منها ما هو مرغوب ومنها ما هو مرفوض. في كل مكان ترى أفراد يحاولون أن يعطوك اقتراحات لما يمكن أن تفعله بشكل مختلف وأفضل، دون أن تسألهم حتى.
ولكن يبقى الوالدين خط أحمر و لا يمكن مقارنتهم مع أي أحد آخر. حتى إن ضايقوك أحياناً، لا تدخل معارك معهم تربحها لتخسر علاقة طيبة تفوز فيها بالدنيا والآخرة.
المراجع |
1] Journal of Adolescence 37 (2014) 225–236, Parental autonomy support and honesty: The mediating role of identification with the honesty value and perceived costs and benefits of honesty, Julien S. Bureau*, Geneviève A. Mageau https://selfdeterminationtheory.org/wp-content/uploads/2015/05/2014_BureauMageau_ParentalAutonomy.pdf |
2] The New Times, Why you should listen to your parents, 2011 https://www.newtimes.co.rw/section/read/97928 |
3] NCBI, Grateful parents raising grateful children: Niche selection and the socialization of child gratitude, William A. Rothenberg, Andrea M. Hussong, Hillary A. Langley, Gregory A. Egerton, Amy G. Halberstadt,Jennifer L. Coffman, Irina Mokrova, and Philip R. Costanzo,2016 https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC5608270/ |
4]NCBIm, Tensions in the Parent and Adult Child Relationship: Links to Solidarity and Ambivalence, Psychol Aging., 2009 https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC2690709/ |
5] Pew Research Center, Parents’ attitudes – and experiences – related to digital technology, BROOKE AUXIER, MONICA ANDERSON, ANDREW PERRIN AND ERICA TURNER, 2020 https://www.pewresearch.org/internet/2020/07/28/parents-attitudes-and-experiences-related-to-digital-technology/ |