في الأزمنة السابقة كانت عملية اختيار المدرسة المناسبة لطفلك متروكة على التساهيل وكان قُربها من مكان السكن أهم عامل لحسم المسألة. ولكن مع تغير الظروف التي فرضتها علينا جائحة كورونا دخلت اعتبارات جديدة قائمة المعايير التي يتم اتخاذ القرار على أساسها. بإلإضافة لذلك يلعب المنظور الشخصي دوراً كبيراً في عملية الاختيار حيث تختلف الأولويات في العناصر الواجب توفرها.
فبعض الآباء يؤثرن التحصيل الأكاديمي فقط والبعض الآخر يولون أهمية للسمعة الجيدة في مجال محدد مثل الفن والموسيقى. وقد يهتم آخرون بوجود ساحات ومنشآت للعب والرياضة. والكثير يُعْلي من أهمية التربية الدينية ومدى اهتمام المدرسة بالطلاب على المستوى الإرشادي والتربوي. الأمر المفروغ منه أن قرار اختيار المدرسة المناسبة قرار مهم جداً ويحتاج منا إلى قدر وفير من التفكير والتريث حتى يصبح لدينا إلمام بالصورة كاملةً.
إليكم بعض الاعتبارات التي يجب النظر إليها عند القيام باختيار المدرسة المناسبة لطفلك:
١- مدرسة حكومية
هذا الموضوع يخضع إلى جدل مستمر في مجتمع الآباء. فالكثير يرى أن المدارس الحكومية لا تصلح أبداً للأطفال لعدم توفيرها للخدمات الأساسية مثل التهوية والتبريد والتدفئة. عدى على الإهمال في صيانة المباني والمرافق المتنوعة ودنو معايير النظافة في المرافق الصحية. فضلاً على اكتظاظ الصفوف المدرسية وعدم توفر خدمة النقل والباصات ولكن يضطر المعظم لهذا الخيار لأن التعليم مجاني. علاوةً على ذلك، عدم وجود ميزانية أكبر لمدرسة خاصة وتردي الوضع الاقتصادي. إلا أن هذا لا يعني أن جميع المدارس الحكومية سيئة. فهناك العديد من المدارس ذات سمعة جيدة من ناحية التحصيل الأكاديمي وارتفاع نسبة الأوائل في المراحل الثانوية وانضباط والتزام عاليين.
من ناحية أخرى تكمن المشكلة هنا أن سياسة القبول للمدارس الحكومية ليست منوطة بالآباء وحدهم. فأولوية القبول، لأبناء المنطقة التي تخدمها المدرسة بالدَّرجة الأولى، وحسب عدد آخر من الأولويات، منها أطفال العائلات الأكثر فقراً (بشرط إحضار الوثائق الرسمية المثبتة لذلك)، والأطفال الأقرب للمدرسة، إضافة إلى أبناء المعلمات والعاملات في المدرسة بما لا يزيد على 20% من مجموع الأطفال المقبولين [1].
أم مدرسة خاصة…
أما بالنسبة للمدارس الخاصة فهناك مرونة أكبر حيث يلعب وضعك المادي وميزانيتك الدور الأكبر في حرية اختيار المدرسة المناسبة. يوجد برنامجين أساسيين في المدارس الخاصة، البرنامج الوطني والدولي. يغطي البرنامج الوطني نفس مناهج وزارة التربية والتعليم التي تدرس في المدارس الحكومية وتكون جميع المواد باللغة العربية. وبالعادة تُضاف مواد أخرى باللغة الإنجليزية مثل الرياضيات والعلوم وذلك حسب كل مدرسة لإثراء العملية التدريسية. لكن دون أن يتم احتسابها في المعدل العام.
أما البرنامج الدولي فهو الأعلى قسطاً من حيث الرسوم المدرسية وتُعطى فيه مناهج مختلفة تماماً عن مناهج وزارة التربية والتعليم، وتكون جميعها باللغة الإنجليزية.يخدم هذا البرنامج بشكل أساسي الطلاب الغير ناطقين باللغة العربية أو الناطقين بها والراغبين بإكمال تعليمهم في الخارج. وبجانب اختلاف الكتب الدراسية عن البرنامج الوطني، هناك اختلافات أخرى مثل طرق التدريس وطرق الامتحانات وطرق تواصل الإدارة والمعلمين مع الطلاب وذويهم وغيرها الكثير. فالقرار في هذا البند يكون معتمد بشكل أساسي على الميزانية و قدرة الآباء على تحمل التكاليف وظروفهم وأولوياتهم من حيث طريقة تعليم الأبناء.
٢- كمية الواجبات المنزلية
هناك اختلاف في وجهات النظر لأهمية الواجبات المنزلية والكمية التي يجب إعطاؤها للطلبة بشكل يومي أو أسبوعي. فهناك مدارس تقوم بإلقاء عبء كبير على الطالب وإغراقه بأنهار من الواجبات المنزلية. الأمر الذي يلقي عبء أكبر على الآباء الذين يُجبرون على الانخراط بشكل كبير، حتى يستطيع الأبناء مواكبة زملائهم في الإنجاز. وهناك مدارس تتباهى بكمية الواجبات المنزلية الشبه معدومة حيث تعتمد العملية التعليمية بشكل أساسي على التدريس داخل الصف الدراسي ولا تُطالب الآباء بالمتابعة التي قد تطلبها مدارس أخرى. يرجع قرارك في هذا البند لرأيك الشخصي تجاه الواجبات المدرسية و تجارب المحيطين بك مع أبنائهم في هذا الأمر. كذلك مدى انشغالك في الوظيفة أو أي شيء آخر ومدى قدرتك على تفريغ وقت كافي لمساعدة إبنك في الواجبات المدرسية.
٣- طرق التأقلم مع جائحة كورونا
تسببت جائحة كورونا في أكبر انقطاع للتعليم في التاريخ، وكانت لها تأثير مهول على الطلبة من مرحلة ما قبل التعليم الأساسي إلى المدارس الثانوية ومؤسسات التعليم بجميع أنواعها. وبحلول منتصف نيسان ٢٠٢٠، كان ٩٤ بالمائة من الطلبة في العالم قد تأثروا من الجائحة أي ما يمثل ١,٥٨ بليون من الأطفال والشباب في ٢٠٠ بلد [2]. |
ولفترة طويلة تم إغلاق المدارس وتحويل التعليم الوجاهي إلى التعليم عن بعد. الأمر الذي فرض ثقل كبير على المدارس بصورة مفاجئة لضرورة التأقلم .وكذلك توفير وسائل بديلة لمتابعة تعليم الطلبة، وتأسيسهم بشكل جيد وهم محصورين في منازلهم. بعض المدارس نجحت بامتياز في هذه النقلة وأثبتت جدارتها وكفاءة الكادر التعليمي والبعض الآخر فشل فشلاً ذريعاً في مجاراة التغييرات. الأمر الذي أدى إلى تأخر في العملية التدريسية وتفاوت كبير في مستويات الطلبة بين مدرسة وأخرى. أصبح من الإعتبارات الهامة لاختيار المدرسة هو مدى تبنيها لوسائل التكنولوجيا المتعددة وسرعة تدريب المعلمين على تلك الوسائل. عدا على ذلك مراعاة الإجراءات الوقائية من الفيروس مثل قياس درجة حرارة الطلبة وتوفير المعقمات والكمامات لتحقيق تلك الغاية.
٤- توفر طرق تعليم حديثة
من الأمور التي يحبذ تواجدها هي شاشات العرض الذكية التي تمكن الطلبة من فهم المعلومة بسرعة أكبر ولا شك أن هذا النوع من التعلم الإلكتروني يعطي الأطفال شعوراً بالمتعة ويحفزهم على الانخراط أكثر مع الدرس ومع معلم الصف.
٥- بُعد المدرسة عن مكان السكن
الدوام المدرسي يومي ولاشك أن بعد المسافة أمر هام للغاية. فبعد المسافة يسبب إرهاق للطالب خلال التنقل سواءاً كانت طريقة النقل بالسيارة أو الباص. وقد تختار مدرسة قريبة من مكان العمل فلكل تفضيلاته لهذا الموضوع.
٦- الأصدقاء والمعارف
يتشجع الآباء لإلحاق أطفالهم في نفس المدارس التي يلتحق بها أصدقائهم من الحضانة والروضة. وقد يعطي هذا الشيء شعور بالأمان للطفل. كما أن وجود معارف قاموا بتجربة المدرسة يساعد في اختيار تلك المدرسة أو عدم إختيارها بناءاً على التغذية الراجعة.
٧- الموهبة والأنشطة اللامنهجية
قد يمتلك طفلك موهبة متميزة في إحدى المواد المدرسية التي تريد إنمائها وعليه قد تختار مدرسة تتميز بقوتها في هذه المادة وتتوفر لديها التجهيزات المطلوبة لإعطائها بكفاءة [3]. فضلاً عن الجوانب الغير تعليمية التي قد تهمك بشكل خاص لذلك ليست دائماً المدرسة الأفضل على قوائم التصنيف المتوفرة على الإنترنت هي الأفضل لابنك. فتمهل وابحث عن ما يناسب إبنك وما ينمي قدراته الخاصة.
٨- التربية الدينية
هناك مدارس تهتم بإدخال التعاليم الدينية في بيئتها العامة وتقوم بإعطاء مواد إضافية تعزز من حفظ القرآن الكريم كما تقوم بعمل مسابقات للأطفال لتحفيز هذا الجانب. بعض أولياء الأمور يحبون هذا الشيء بل ويبحثون عن المدرسة التي تهتم بهذا الشأن وهذا الأمر منوط تماماً بأولويات الأهل ومدى رغبتهم بالتركيز على هذا الأمر. والجدير بالذكر بأن التعليم الديني يساهم بشكل كبير في التنمية الأكاديمية والشخصية للطلاب. كما أنه يلعب دوراً رئيسياً في تعزيز التماسك الاجتماعي وفضائل الاحترام والتعاطف والتي تعتبر مهمة في مجتمعنا المتنوع. كما يعزز النقاش الحضاري والحجج المنطقية ، ويساعد الطلاب على فهم مكانة الدين والمعتقدات في العالم الحديث[4].
٩- المباني والمنشآت والمرافق الإضافية
هناك مدارس عريقة وقديمة جداً ولكن استطاعت رغم السنين على المحافظة على شكلها ورونقها ويرجع هذا الأمر إلى إهتمامهم بإجراء صيانة متكررة للمباني والمرافق. وهذا العامل من العوامل الجاذبة للأهل خصوصاً خلال السنوات الابتدائية، حيث يحتاج الأطفال إلى مساحات للعب وتفريغ الطاقة. هم بحاجة أيضاً إلى مختبرات حاسوب لمواكبة تكنولوجيا المعلومات التي أصبحت من الأشياء التي لا يمكن الاستغناء عنها ولا غنى عن وجود مكتبة زاخرة بالكتب ليستطيع الطلبة القراءة أكثر والبحث في المواضيع المتنوعة المطروحة خلال الفصل الدراسي.
١٠- طريقة تواصل المدرسة مع أولياء الطلبة
من أهم الأمور الحاسمة هي طريقة تواصل معلم الصف وأسلوبه مع أولياء الأمور ففتح الحوار بين الأهل ومعلم الصف وإقامة علاقة طيبة مع الإدارة سيدفع تعليم طفلك للأمام. ومن الجميل بالأمر بأنه في زمننا هذا، لا يهم تواجدك البدني لتبادل المعلومات اليومية. وذلك لأن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت بشكل فاعل لتسريع وتسهيل التواصل والوصول لأي مشكلة وحلها بسرعة وبفعالية غير معهودة من قبل. وهذا الأمر لا يقلل من أهمية اجتماع الأهل الذي يلزم تواجدك من أجل مناقشة القضايا الهامة، وتحديد الجوانب التي يمكنك تقديم مساعدة إضافية لطفلك في المنزل.
وأخيراً
ليطمئن قلبك تماماً تجاه إحدى المدارس، عليك الذهاب إليها لرؤيتها بنفسك فحتى بوجود قناعة مؤكدة حول ما تُفضل، بَيْد أن هذا الأمر قد يتغير بمجرد زيارتك للمبنى والتحدث مع إدارتها ومعلمي الصف. كما يقوم المدير أو المسؤول بإعطائك جولة وعرض ما تتميز به من خدمات وهي فرصة لطرح كل ما يدور في بالك من أسئلة. كذلك، يجب أن تلاحظ عدة أمور منها: الجو العام بين المعلمين والطلبة ومدى هدوء أو صخب المكان وحالة المرافق الصحية ومنشآت الحاسوب والمختبرات إن وجدت. لذلك يفضل القيام بالزيارة خلال يوم دراسي.
ورغم أن عملية اختيار المدرسة المناسبة عملية صعبة خصوصاً في المراحل الابتدائية إلا أن أخذك للاعتبارات أعلاه سيساعدك خلال العملية. فتريث وفكر ثم اختر. عسى أن يكون اختيارك في محله.
المراجع |
1]شروط وتفصيلات لقبول الطلبة في المدارس الحكومية وتغييرات هامة على نظام التسجيل – الوكيل الإخباري https://www.alwakeelnews.com/Section_1/اخبار-محلية/شروط-وتفصيلات-لقبول-الطلبة-في-المدارس-الحكومية-وتغييرات-هامة-على-نظام-التسجيل_502644 |
2]موجز سياستي للأمم المتحدة – التعلم أثناء جائحة كوفيد-١٩ وما بعدها ٢٠٢٠ https://www.un.org/sites/un2.un.org/files/policy_brief_-_education_during_covid-19_and_beyond_arabic.pdf |
3]A Parent’s Guide to Primary School – By Katy Byrne and Harvey McGavin ,2004 https://www.amazon.com/Parents-Guide-Primary-School-Education/dp/0826473792 |
4]Religious education: realising the potential October 2013, No. 130068 – Ofsted https://assets.publishing.service.gov.uk/government/uploads/system/uploads/attachment_data/file/413157/Religious_education_-_realising_the_potential.pdf |