نعم كلنا نرى أطفالنا بعدسة مشرقة ومختلفة تماماً عما يراه الأخرون وهذا شيء طبيعي للغاية، ولكن حتى الكاميرا الحرفية لها عدسات كثيرة تتغير لتعكس مادة التصوير بطرق متعددة.
الطفل ليس بحاجة إلى التصفيق الدائم والمبالغ فيه، فتارة يحتاج إلى تشجيع، وتارة أخرى يحتاج إلى تأنيب وأحياناً قد يحتاج إلى صفعة صغيرة من وحي الواقع بدلاً من تعظيم إنجازاته الصغيرة على الدوام.
إنني أستغرب بشدة من الأشخاص الذين يمتدحون أطفالهم بشكل زائد أمام الأخرين ويطلبون منهم أن يقوموا بأداء حركات معينة أو إبراز مواهبهم أمام الجميع كالبهلوان الراقص أو كمؤدي المسرح.
نعم لكم الحق بأن تكونوا فخورين بأبنائكم لكن دعوا هذا الأمر لهم ولا تطلبوا منهم التباهي بما يمتلكون من مواهب.
وللأسف تكون معظم هذه المواهب التي يراها أهلهم بعدستهم الخاصة أمراً جللاً ما هي إلا أشياء عادية لا تثير دهشة وإعجاب الأخرين في الغالب.
الأطفال بحاجة إلى دعم من أهلهم حتى يكتشفوا مواهبهم الخفية، وإغراقهم في المجاملات لن يساهم إلا في الإنقاص من طموحهم.
فإن أعجبتك رسمة طفلك وبالغت في ردة فعلك التشجيعية فما الدافع الذي تعطيه له ليبدع أكثر في الرسمة أو ليصبح رساماً أفضل.
أنا لا أدعو الجميع لأن يكونوا شديدين مع أطفالهم، بل بالعكس يجب أن نكون حساسين معهم ولكن ردود الفعل يجب أن تكون مدروسة جداً.
التشجيع مع تغذية راجعة منطقية ونقد بناء لعمل فني أو لرقصة أو لتلاوة قراّن قد تكون الفيصل في أن يصبح طفلك نابغة في شيء ما، وإفراطك في المديح هو الشيء الذي يجعل هذه الموهبة تنكمش قبل أن ترى النور.
والجدير بالذكر هنا، أن امتداح الأطفال أمام الأخرين كالأصدقاء والأقارب بشكل زائد هو شيء غريب بعض الشيء. فما الدافع الذي يجعل الأهل يصورون أطفالهم وكأنهم ملائكة بلا أخطاء وأقرب إلى المثالية في طباعهم وتصرفاتهم.
وعندما تأتي فرصة بأن تجتمع مع أطفالهم، تجد بأن الصورة المعكوسة بعدستهم هي صورة خيالية لا وجود لها على أرض الواقع.
صراخ وتحدي وبكاء لا مبرر له إلى جانب العديد من التصرفات التي لا تمت بصلة لتك الصورة الملمعة التي تم رسمها من قبل الأهل.
فلماذا لا نكون صريحين مع أنفسنا قبل أي شئ ! لماذا يجب أن نتحدث عن إيجابيات أطفالنا بشكل مستمر دون ذكر أخطائهم!
لا عيب في أن نعرف الصفات السيئة لأطفالنا، ولا نتبختر بالصفات الحسنة أمام الاخرين، فنحن بذلك نضع أطفالنا في مواقف محرجة جداً أمام الآخرين، الذين تفاخرنا بأطفالنا أمامهم.
دعي طفلك يتحدث عن نفسه بأفعاله وبخُلقه وبأدبه وافتخري في داخلك بانجازاتك التربوية قصيرة الأمد.
نعم هي فعلاً قصيرة الأمد، لأن التربية هي عملية مستمرة وتتطلب جهداً لا منتهي ولا منقطع النظير من الأهل. كيف لا والطفل هو إنسان تملؤه مشاعر غامضة وفوق ذلك هو محاط بعوامل خارجية ومعرض لقوى تأثير جاذبة تزداد مع مرور الأيام والسنين.
كنت أسمع مقولة لم أفهمها إلا حديثاً في مشواري في تربية ابنتي “الطفل لا يُحلف عليه” ومعناها أن لا تُقسمي لتبرئي ساحة طفلك من تهمة ما أو من عمل ما دون أن تتأكدي من الأمر، حتى لا تُعرّضي نفسك لمواقف لا تُحمد عقباها.
طفلك قد يقوم بالعديد من الأفعال من وراء ظهرك أو بغفلة منك، فدون أن تتحري لا يمكنك أن تجزمي بأن طفلك لم يقم بعمل ما.
فكيف ستربين طفلك وتقومين أفعاله إن قمت بتبرئة ساحته وإظهاره كالملاك أمامه أولاً وأمام الناس ثانياً.
أيضاً أود التأكيد على أهمية التحري قبل الدفاع أو إلقاء اللوم على الطفل على فعلة ما، وبناءً على النتيجة، نتخذ الإجراء التأديبي الذي يتناسب مع حجم الفعل.
وأخيراً، إن التربية من أصعب المهام الملقاة على عاتق الأهل وأنبلها أيضاً. لذا، هونوا عليكم واعلموا وثقوا تماماً بأنه لا يوجد أب أو أم مثاليين ولا تتأثروا أو تستمعوا حتى لمتصنعي المثالية الكاذبة، فنحن لسنا في مدينة أفلاطون الفاضلة!
ولا أحد يستطيع بجزم وبثقة أن يقول بأنه قد التزم بآداب احترام وتوقير الوالدين، والأخوة، واحترام المعلم والجار، وآداب الاستئذان والحديث والسلام والمظهر والمشي والجلوس وتناول الطعام والشراب، وأدب الإنصات والحوار، والحياء والصدق والتعاون والتواضع وغيرها من مئات الآداب الأخرى.
بالنسبة لي، فأنا أواجه صراعاً يومياً وحوارات داخلية عن صحة ما أقوم به مع ابنتي في موضوع التربية>
فأنا على الرغم من محبتي الشديدة لها، تقع على عاتقي مسؤولية عظيمة وعلي أن أكون على قدر من الأمانة أن أعلمها الآداب الأساسية التي يجب أن تتحلى بها.
لا تتبختروا بأطفالكم وتغرقوهم بالمجاملات ولا تصدقوا كل ما تسمعونه من الآخرين عن مثالية أولادهم، فالبيوت مليئة بالأسرار التي لا يعرفها أحد.
وتذكروا بأن الله خلقنا ناقصين في كل شيء ونسعى جاهدين إلى الوصول إلى درجات أقرب للكمال والكمال فقط لله.