دور التحفيز الذاتي في تغيير مسار النفس الإنسانية

التحفيز

أحياناً وفي لحظة صفاء من النفس للنفس, يتوالد شيء ما. و كأننا نخلق بقالب جديد لنرى ما أصابنا بمرآة من الأمل. لنعرف في خضم ذلك أن الحياة بوجهيها ما هي إلا واجهه لرزق عظيم يختبئ من الداخل. وإن أصلحنا النظر إلى تلك الصور وأخرجنا أنفسنا من رداءة التفكير وتحررنا من حيز  الخيبات. ننتقل من العمق إلى حيث أردنا بقوام مبني على القوة و بنمطية مختلفة وهنا يكمن السر في التحفيز.

سأتحدث في هذا المقال عن دور  تحفيز النفس للنفس. فلا شك فيه أن التحفيز الداخلي والخارجي عنصران مهمان فى حياة الفرد حتى يحقق أهدافه. ولكن أرى أن التحفيز الخارجي ينتهي تأثيره سريعًا. أما التحفيز الداخلي فيكون تأثيره مستمر أكثر وأكثر. وذلك لأنه نابع من الذات وهنا يكمن سر الخلطة في توالد ذلك الشعور بدون عزل لدور العوامل الخارجية في عكس كل ما هو متراكم من مشاعر.

في البداية دعونا أولاً نتعرف على مفهوم التحفيز

ما تعريف التحفيز؟

التحفيز (Motivation): بشكل عام هو الرغبة في التصرف أو التحرك نحو تحقيق هدف معين.

ابتكر المفهوم في شقه النفسي من قبل العالم السلوكي “كلارك هال” وتطور بواسطة الباحث “كينيث سبنس”. ويعتبر العالم النفسي “ماسلو” أول من اعتبر الحاجة إلى التقدير حافزاً رئيساً للإنسان في هرمه الشهير الخاص بالحاجات الإنسانية. وقد عرفها برسلون وستاير بأنها “شعور داخلي لدى الفرد، يولد فيه الرغبة لاتخاذ نشاط أو سلوك معين يهدف منه الوصول إلى تحقيق أهداف محددة”[1].

أما تعريف التحفيز الداخلي وهو موضوعنا هو الذي يأتي من داخل الفرد نفسه. ويكون مدفوعًا بالرغبة الحقيقية في القيام بالنشاط أو السلوك الذي يعتبره ممتعًا أو مفيدًا أو مهمًا بالنسبة للفرد. ويمكن أن يأتي هذا التحفيز من عدة مصادر: مثل الشغف بالعمل أو الهواية، أو الاستمتاع بالتحدي، أو الشعور بالإنجاز والتميز، أو الحاجة إلى التعلم والنمو الشخصي.

الهواية

فوفقاَ لعلم النفس فأن التحفيز الداخلي ينعكس من عنصرين رئيسين القدرة والرغبة.

تُعرف الرغبة في الفلسفة بأنّها التوجه الشعوري والحركة نحو الحاجة إلى شيء معين أو واقعٍ ما يعتبره الشخص كمصدرٍ محتملٍ للشعور بالرضا، كما تُعرف بأنّها النزعة الشعورية[2].

كما يمكن القول إنّها مهارة المرء في التصرُّف بشكلٍ عقليٍّ، أو قانونيٍّ، أو جسديٍّ، أو معنويٍّ، أو ماديٍّ؛ حيث إنَّ القُدرة تُعرَف لغةً بأنّها الغِنى ويُسْر الحال أيضاً. كما تنطوي القدرة على كفاءة الفرد في أدائه لمهنة ما، أو نشاط مُحدَّد ناتجٍ عن تدريبه، أو امتلاكِه للمُؤهَّلات، والمهارات اللازمة[3].

إلا انني أرى بمفهومي الشخصي أن الرغبة هي المحرك الرئيسي للتحفيز بدون عزل حقيقي للقدرة. حيث أن الرغبة تقع في .المقام الأول حيث أن وجود القدرة العالية بدون الرغبة في الاداء لن نصل إلى أي شيء

فالعامل النفسي و الدافع الداخلي هو المحرك الأساسي للأداء

إذا لم أرغب لن أستطيع أبدا العمل بكفاءة. فقد رأيت نماذج كثيرة ترجمة دور الرغبة في تحفيز النفس والوصول رغم انعدام القدرة. وواحد من أكبر الامثلة على ذلك هو ستيفن هوكينج عالم الفيزياء الذي تحدى الإعاقة وسابق الزمن. فقد أصيب ستيفن بمرض عصبي وهو في الحادية والعشرين من عمره وهو مرض التصلب الجانبي.

وهو المرض المميت الذى لا علاج له، لكنه كان مفعم بمعرفة كيفية عمل الأشياء حيث أطلقوا عليه في المدرسة لقب أينشتاين، وتوقع الأطباء أنه لا يعيش أكثر من سنتين وبالتحدي والإقبال على النجاح استطاع قهر العجز و إبهار الأطباء بمجاهدته حتى تجاوز عمره الـ72 عامًا، ما أتاح له فرصة العطاء في مجال العلوم وبالتحديد علوم الفيزياء النظرية. وبالرغم من أن هذا المرض جعله قعيدًا إلا أن عقله لم يقف برهة، حيث حصل على الدكتوراة في علم الكون من جامعة كامبرج، وحصل على درجة الشرف الأولى في الفيزياء واستطاع أن يتفوق على أقرانه من علماء الفيزياء وبطريقة لا تصدق كان يجرى كل الحسابات في ذهنه وشارك ابنته الروائية في كتابة كتب الأطفال لتقديم شرح مبسط عن الكون بطريقة روائية 2007عام.

القرآن الكريم

التحفيز في القرآن الكريم

المتدبر والمتأمل فى القرآن الكريم يجد القرآن يتبع أسلوب عظيم فى تحفيز النفس للقيام بالأعمال الكبيرة والمجاهدة هو أسلوب فريد. وكيف لا وهو أسلوب الخالق العظيم جل فى علاه الحكيم الخبير ببواطن النفس والعليم بها. ولذا كان جديرًا بنا أن نتعلم هذا الأسلوب ونتخذه سبيلاً لتحفيز أنفسنا لتستمر فى سيرها وطريقها إلى الله عز وجل. خاصة أن الطريق يمتلئ بالعقبات ويحتاج معها القلب والنفس لما تحفزه ليسير فى الطريق بدون فتور وبهمة عالية.

ومن هنا نرى أن التحفيز الداخلي مبدأ أصيل وله امثله كثيرة في حياتنا العمليه وقد أورد ذكره بنصوص في القرآن الكريم والسنة النبوية. وله دور فعال في سير حياتنا وتعلقنا بالله والدين وتسيير أمورنا ومخافة الله سبحانه وتعالى.

لنأخذ مثال لهذا الأسلوب القرآنى فى التحفيز وهى آيات من سورة المؤمنون يقول الله عز وجل:

إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) 

كيف نستطيع إدارة أنفسنا بطريقة فاعلة وبالتالي تعميق مفهوم الحافز الداخلي؟

علينا أن نتعايش مع وجود تلك الأخطاء التي ترغمنا نوعاً ما على تغيير وتصحيح مسارنا. ما نصنعه بقراراتنا هو طريقة حياة. لذا علينا في النهاية أن ندفع  جلد الذات جانباً. وبدلاً من أن نلقي اللوم على الظروف والحظ علينا أن نسارع في تسوية الحساب بين ما حملناه كأولويات وبين الطريقة التي اعتدناها  في الحلول.

وذلك لكي لا نفيض بمجموع التجارب التي نحملها تباعاً. فكل مرحلة ما هي إلا نقطة تحول وبداية ربما تحمل لنا حقيقة. أو قد تفتح لنا آفاق علينا أن نلتزم فيها أمام أنفسنا. كل ما علينا فعله هو وضع كل ما نمر فيه في ميزان عادل ينصفنا وينصف تلك التغييرات، لنذهب إلى الأفضل، لتصبح السنين في المحصلة أرقام مختلفة لتقييم تجاربنا لا أعمارنا.

الدماغ الحي

ويمكن تلخيص الطرق التي يمكن أن نتبعها لتحفيز النفس وإعادة الشغف بالنقاط التالية :

حدد هدفاً ما

الاهداف تعد حافز مهم ورئيسي في اضفاء شعور الرضى الداخلي، حيث يحفز وجودها الانسان على استمرار السعي ،مع الاعتماد على وضع اهداف ثابتة ومتغيرة مما يساعد على خلق حياة مختلفة بعيدا عن الروتين الاعتيادي[4].

السيطرة على سير تدفق الافكار وماهيتها

نمط وطريقة التفكير والتركيز على النقاط الإيجابية يعد مهماً لتحفيز النفس، يجب علينا ان نعتاد التفكير بنمط متوازي معتمد على ابعاد كل ما هو سلبي من افكارنا في كل ما يمر في حياتنا ،التفكير الايجابي يعد حافز مهم للوصول وتحقيق الاهداف ،إن اختلاف المعيقات التي يواجهها المرء قد تجعل منه شخص محبط واذا لم يتم عزل كل ما هو سلبي عن طريق تحويل مسار ونمطية التفكير بطريقة مغايره تدفع ذلك الاحباط جانباً.

قم باختياراتٍ جديدة كلما دعت الحاجة لذلك:

في بعض الأحيان، تشكل بعض التغييرات كل ما نحتاج إليه كي نشعر بالمزيد من الحماس. ولا نتحدث هنا عن التغييرات الجذرية الكبرى. قد تحدث تطورات كبيرة أحياناً، نعم بالطبع، ولكنك قد تحتاج أحياناً إلى تحولات صغيرة جداً تجريها على ما تقوم به.

إن الأمور الجديدة والمجهولة تخلق دوماً لنا القليل من مشاعر عدم الثقة وحتى الخوف. لكن يجب أن تعلم أنه إذا لم تحاول على الأقل لن تعلم مطلقاً أن ذلك الشيء الجديد سوف يكون مفيداً لك.

وليس لأنك قد قررت منذ وقت طويل وأنت تكتسب الكفاءات من أجل مهمة محددة ويجب عليك قضاء العمر كله وأنت تقوم بذلك، هذا قد يشكل سبباً لعدم تجربة أمور ومجالات جديدة[5].

أن نفهم ان ارتكاب الأخطاء جزء من المهمة

يجب ان نتعلم ان ارتكاب الاخطاء هو جزء مهم للوصول لأهدافنا وهو حافز مهم للنجاح ولا يعني ابداً ان ارتكابها جزء من الفشل بل بالعكس هي حافز اساسي لتصحيح المسار وبالتالي الوصول للهدف.

التعلم

يعد التعلم اداة مهمه للتحفيز، فهو يخلق حاله من التوازن النفسي ويشبع الرغبة الانسانية بالتعرف والاكتشاف وخلق حياة جديدة من خلال العمل على الادوات والمهارات الشخصية سواءًا بالقراءة او بممارسة اعمال جديدة تحفز العقل الانساني.

استثمر في مهاراتك

لكل منا مهارات مكتشفه او غير مكتشفه يجب علينا زيادة الوعي بتلك المهارات ومحاولة استثمارها للخروج من الحالة النمطية للتفكير والعمل، حيث تعد الطاقة الإنسانية المستثمرة من أبرز واهم الادوات التحفيزية التي من الممكن العمل عليها للخروج من شرنقة المستحيل الى كل ما هو ممكن.

إحاطة النفس بالأشخاص الناجحين

نحن عبارة عن خبرات إنسانية مختلفة لذا من المهم احاطة انفسنا بأشخاص ذوي خبرات حياتيه مهمه وناجحة وان كانت بسيطة فوجودهم في محيطنا يعتبر حافز داخلي مهم لتغيير نمط التفكير واعادة هيكلة الحياة في المجمل بطريقة ايجابيه .

وفي النهاية هناك حتميات نحن لا نشاركها خياراتنا… هي تجليات يصحبها لنا القدر بين ما نريده وما لا نريده… هي ايماءات خاصة نصاب فيها بين الفتور والإرادة…. وكأن كل ما نحتويه مصاب بها…. نساق لتدابير الله ونحن نعلم أن التوكل في معتقداتنا وقرارتنا وذلك الأمل الذي شب في ضلوعنا….. وفي كل ما يحدث من تراسيم حياتنا هو لخير…. لأنه بيد الخالق العالم ولا شيء سواه

المراجع

1] الكعبي وأخرون،1990،ص 148
2] “DESIRE IN PHILOSOPHY”, www.the-philosophy.com,2012-5-26، Retrieved 2021-2-13. Edited.
3] “Ability”, www.dictionary.com, Retrieved 2018-4-8. Edited.
4] https://hotmart.com/ar/blog/%D8%AA%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D8%A7%D8%AA
5] https://hotmart.com/ar/blog/%D8%AA%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D8%A7%D8%AA